بعد نجاح حفلتها في مهرجان الموسيقا العربية ليندا بيطار: الجمهور السوري متعطش للموسيقا والغناء
لم يكن الحفل الغنائي الذي أحيته المطربة ليندا بيطار مساء أمس في دار الأسد للثقافة والفنون ضمن فعاليات مهرجان الموسيقا العربية حدثاً عادياً بالنسبة لها، لأنها كانت المرة الأولى التي تحيي فيها حفلاً غنائياً بمفردها، وهي التي اعتادت أن تشارك في بعض الحفلات التي عادةً ما تُقدَّم في الدار.. من هنا لم تخفِ بيطار فرحتها الكبيرة بالنجاح الذي حققه هذا الحفل، وقد نفدت بطاقاته قبل أسبوع من إقامته.. وكما كانت سعيدة بنجاح حفلها كانت سعيدة كذلك بوجود مهرجان الموسيقا العربية، فإقامته برأيها في هذه المرحلة التي تمر بها سورية تحدٍّ كبير للمشاركين وللجمهور، ووجوده ما هو إلا دليل على إصرار السوريين وصمودهم.
الحفل الخاص الأول
وكخريجة من المعهد العالي للموسيقا وكمغنية شرقية تعتز بيطار بمشاركتها في مهرجان رفيع المستوى ومن طراز عالٍ كمهرجان الموسيقا العربية، الذي يضم نخبة من الفنانين السوريين الكبار ويحل عليه ضيف كبير مثل الفنان مروان محفوظ، معتبرة أن هذه المشاركة إضافة حقيقية لها ولمسيرتها الفنية، مشيرةً إلى أنها سبق وأن شاركت في دورته الأولى مع أوركسترا طرب، حيث غنّت مجموعة من الأغاني إلى جانب مغنين آخرين، في حين أن حفلها الذي أحيته مساء أمس كان الحفل الخاص الأول لها، ومن هنا تنبع خصوصيته بالنسبة لها.
وحرصت بيطار في حفلها على تقديم ما يتناسب مع مهرجان الموسيقا العربية، فغنّت الموّال والقصيدة والموشح ومجموعة من أغانيها الخاصة، وفقرة منوعة غنّت فيها مجموعة من الأغنيات السورية التراثية، مؤكدة أن هذه الاختيارات تم التفكير فيها مليّاً مع الموسيقي عدنان فتح الله، منوهة إلى أن المهرجان كان من الممكن أن يكون مناسبة جيدة لإطلاق أغنية جديدة لها، لكن الظروف الخاصة التي لها علاقة بالمنتج حالت دون ذلك، وقد فضّل تأجيل إطلاقها، موضحة أن المهرجان فرصة ليطلق المطربون أغانيهم الخاصة، وهذا ما فعله كثيرون بهدف إيصالها بشكل حي ومباشر وأمام جمهور كبير، حيث التواصل والتفاعل معها يكون بشكل آني.
أما ما هو مطلوب من المهرجان في الدورات القادمة برأي بيطار فهو العمل على أن تكون الأسماء المشاركة منتقاة بعناية والحرص على تحقيق التنوع الغنائي من خلالها، وبالتالي وجود معايير تتم على أساسها عملية الاختيار، مع محاولة عدم تكرار الأسماء حتى لا تتشابه دوراته وإفساح المجال للأسماء الجديدة.
الخصوصية
وبالعودة إلى البدايات تشير الفنانة ليندا بيطار -وهي التي كانت تغنّي ضمن عدة فرق (جسور، وجوه)- إلى أهمية أن ينضم المطرب في خطواته الأولى لمثل هذه التجمعات الفنية التي تزيد من خبرة المطرب، وتشكّل وسيلة جيدة لتعريف الناس به وبإمكانياته، إلا أن ذلك برأي بيطار يجب أن يكون مؤقتاً حيث لا بد من الخروج من عباءة الفرقة والبحث عن الخصوصية فيما بعد، ولذلك هي اليوم ليست مع أية فرقة، وقد بدأت تعتمد على حفلاتها الخاصة، آسفة لأن الكثير من الفرق الموسيقية حُلَّت بسبب سفر العازفين مثل فرقة “وجوه” التي كانت إحدى أعضائها، والتي كانت تضم مجموعة من العازفين المخضرمين الذين انتشروا اليوم في جميع أنحاء العالم، مؤكدة في الوقت ذاته أن فرقاً جديدة ما زالت تولد بين فترة وأخرى.
مع فيروز وزياد ومارسيل
وحين تعود بيطار بالذاكرة إلى سنوات مضت تتذكر بكل فرح وسعادة تلك المرحلة التي تعتبرها ذهبية في حياتها حين شاركت في حفلات زياد الرحباني ومارسيل خليفة، وهما اسمان كبيران في عالم الموسيقا العريقة، فمن خلال هذه الفرصة تعرفت بيطار إلى كيفية صنع هذه الأسماء لموسيقاها، وكيف يفكرون بالموسيقا التي هي شغف حياتهم، وتسترسل لتقول: “هل هناك من هو أكثر سعادة مني عندما كنت أغنّي من ألحان زياد الرحباني وهو يرافقني على آلة البيانو؟ خاصةً وأن زياد الرحباني وبعد مشاركتها معه قام بترشيحها مع مجموعة من الأسماء للغناء في كورال ألبوم السيدة فيروز “إيه.. في أمل” وهنا تتنهد بيطار وتبرق عيناها كأنها تتذكر تلك اللحظات السعيدة، فتعترف أن فرحتها كانت لا توصف حينما عرفت بترشيحها للغناء في الألبوم، فتتذكر كيف أنها لم تستطع أن تغنّي بادئ الأمر لشدّة تأثرها، مبينة أن ما حدث معها وقتها كان عادياً، لأن تأثير فيروز كان وما يزال كبيراً على الجمهور السوري بالتحديد، فكيف وهي العاشقة لها، والتي لم تتخيل في يوم من الأيام أنها ستغني في ألبوم لها؟ مؤكدة بعد أن سألتُها ألا تخشين الوقوع في مطب تقليد السيدة فيروز، أن تقليد فيروز أمر مستحيل ولن ينجح أبداً لا معها ولا مع سواها، حيث لا أحد يرتقي لمستوى أن يقلدها، والمطربون يغنّون لها لا ليقلدوها لأنه حتى التقليد لن ينجح بل ليزدادوا ثقافةً ولينهلوا من مدرسة الرحابنة، هذه المدرسة التي لا تشبه أحداً.
الكلمة أولاً
ولا تخشى بيطار من الخط الغنائي الملتزم الذي خطته لنفسها، وهي على يقين أن الجمهور متعطش للموسيقا والغناء الذي اعتادت أن تقدمه، والدليل أن بطاقات الحفل نفدت قبل أيام منه، وهذا يعني أن الجمهور لديه استعداد ليستمع إلى هذا النمط من الأغاني، كما لديه الاستعداد نفسه ليرقص على إيقاع الأغاني الأخرى.. وتعترف ليندا بيطار أن رأي الجمهور يهمها، لكن ما يهمها أكثر هو أن تكون راضية عما تقدمه، وهي ترفض أن تتنازل عما تريده ومقتنعة به، والجمهور يجب أن يعرف أنها لا تتنازل من أجله ومن أجل أن تقدم له ما هو صحيح.
تبحث بيطار دائماً في أغنياتها عن الكلمة التي تسحرها أكثر من اللحن، وبالتالي فإن البحث عن الكلمة التي ترضيها هو ما تقوم به لتقديمها ضمن أغنية تنتمي لما يسمى السهل الممتنع، الذي يقوم على الكلمة البسيطة والعميقة في الوقت ذاته، وعلى اللحن البسيط والمؤثر، وهي سعيدة بوجود أقلام شابّة تقدم لها هذا النوع من الكلام الذي يغريها (كفاح الخوص وأدهم مرشد ورامي كوسا) ومن المتوقع أن تقوم خلال شهر أيلول بإطلاق أغنية جديدة لها من كلمات رامي كوسا وألحان يزن صباغ.
مزمار الحي لا يطرب
مراحل كثيرة مرّت بها ليندا بيطار في مسيرتها الفنية، ولكل مرحلة ميزتها، فمرحلة الغناء وهي صغيرة في كورال الكنيسة تختلف عن مرحلة المعهد العالي ومرحلة العمل مع رعد خلف ومرحلة زياد الرحباني ومارسيل خليفة والمرحلة الحالية التي بدأت تقيم فيها حفلاتها ضمن مهرجان الموسيقا العربية، معترفة أنها لا تخطط للمدى البعيد، وتحرص على أن تدرس خطواتها خطوة خطوة، مع سعيها الدائم لأن تعمل وتقدم ما تحبه وتريده.. وبين ما تريده وتحبه وبين ما يريده الجمهور تبدو مطمئنة ومؤمنة بأن الجمهور لديه قدرة كبيرة على التمييز وقادر على أن يستمع لكل ما يُقدَّم له من طرب أصيل.
ويُحزن بيطار عدم وجود شركات إنتاج تدعم الأعمال الموسيقية والغنائية وتتمنى على الموجود منها أن تلتفت للمطربين السوريين لدعمهم، لأن الرسالة التي يحملها المغنّون لا تقل عن رسالة الدراما، كما تدعو وسائل الإعلام إلى رعايتهم بالإمكانيات الموجودة لديها، وهي تكاد لا تقصِّر في فعل ذلك إلا أن بعض الوسائل ما زالت تعمل وفق مبدأ أن مزمار الحي لا يطرب، فنجدها تحتفي بمطربين من خارج سورية بشكل يحلم به المطرب السوري، الذي هو في أغلب الأحيان أهم منه موسيقياً وفنياً.. وللمطرب السوري ترفع بيطار القبعة لأنه ما زال يعمل رغم الصعوبات الكثيرة التي تقف في طريقه، ولمن يهمه الأمر تؤكد أن سورية مليئة بالمواهب والأصوات القوية، والدليل ذلك الحضور الساحر لهم في البرامج العربية وهي بحاجة للاهتمام والرعاية.
أمينة عباس