ثقافة

في الإعادة..إساءة

بشرى الحكيم

اللجوء إلى إعادة الأعمال القديمة من الأغاني؛ أسلوب لم ينحصر بالجيل الحالي من الفنانين، إذ أن الأمر كان شائعاً لدى كبار الفنانين من قبل في نوع من استعادة الموروث القديم وتكريم لأعمال الرواد الأوائل من الفنانين والمطربين، يرى فيه البعض طريقة للحفاظ على الأعمال الفنية القديمة تطلع عليها الأجيال القادمة من مريدي الفن ومحبيه، قبل أن تصبح في عداد المنسيات المركونة في أرشيف المكتبات الموسيقية العربية.
وقد يكون لإعادة إحياء القديم هذا الجانب المضيء؛ إن أجاد الفنان مهمته، على اعتبار أن  في الإعادة وسيلة لاستمرارية الفن الراقي في وجه موجات الفن الهابط، الذي بات يكتسح الساحات الفنية، ويشوه الذائقة السمعية، لكن لا ينفي ما ينطوي عليه الأمر من خطورة شديدة لما لتلك الأعمال من مكانة راسخة في أذهان الناس، وخطورة أيضاً على من يتصدى للأمر؛ إلى أن يمتلك قدرة المحافظة على المستوى الأصلي إن لم يتفوق عليه، ذلك أن الأمر غالباً ما يعود بالإساءة إلى الطرفين، إضافة إلى ما فيه من اعتداء على جهد الغير، فالمنتج القديم من الأعمال الغنائية  ذات المستوى العالي لم يأت من فراغ أو بسهولة، فهو بالتأكيد نتاج وقت وجهد القائمين على إنتاجها في ظروف ليست كالتي تتوفر لنظرائهم اليوم.
هو أسلوب لجأ إليه العديد من الفنانين الصاعدين الذين باتوا يتزاحمون في سوق الفن، ما يدفعهم للاستعانة بما تم تقديمه سابقاً، من أعمال امتلكت حضورها وحصدت نجاحها، يختبرون من خلالها قدراتهم الصوتية، متحررين من مسؤولية الكلمة واللحن الذين واقعان حكماً على صاحب الأغنية الأساسي، “استثمار صارخ وزرع في أملاك الآخرين”.
وغالباً ما لا يجد المؤدي حرجاً في الأمر، فهو المستفيد “تجارياً” في كل الأحوال من إعادة تدوير أغنية قديمة، متغاضياً عن آراء كبار النقاد والملحنين الذين لا يرون في التجديد والإعادة إي إضافة أو خدمة لعمل حقق ما حققه من انتشار ونجاح “ومن يمتلك إضافة لما قدمته أم كلثوم أو فيروز/السنباطي أو الرحابنة” بل هي في رأي أكثرهم نوع من اعتداء على قيمة فنية محققة، وتعدٍ صارخ على ذلك “الإبداع والخلق” يسيء إليه كما يسيء إلى من يقوم بالتجديد، لما فيه من اعتراف ضمني منه بالإفلاس وقصور الإبداع الفني، إضافة إلى أن الأغنية التي حققت نجاحها سابقاً غالباً ما تقابل بالرفض عندما تأتي بحلة تهز صورتها الأصلية.
لعل البعض حقق شيئاً من النجاح بإعادة الروح إلى أغان باتت بعيدة عن مسامع الجيل الجديد، مستندين إلى أن لا قانون يمنع، إلا أن الاعتداء الأخلاقي حاصل عندما يضفي أسلوبه الخاص على الأعمال التي علقت في أذهان الناس، بالطبع لا قانون يمنع، لكن الاعتبارات الأخلاقية يجب أن تمنع، ومن يمتلك من الخلفية الفنية الواثقة والرصيد الخاص لن يلجأ إلى الاتكاء على نتاج الآخرين.
في يوم من الأيام قامت السيدة ماجدة الرومي بتأدية أكثر من عمل للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، ورغم الصوت الرائع الذي تمتلكه والأداء المتقن؛ فالنجاح الذي حققته لم يتمكن من التغلب على الانتشار الواسع للأغنية الأصلية، فإلى أين سيذهب بنا اليوم سيل الوافدين إلى ساحات فنون الغناء من برامج المسابقات التي غالباً ما أُعدت إلا لتملأ فراغ الشاشات الفضائية.