في دلالات مـعـرض الـكتـاب الـثـامـن والعـشـريـن
أكثر من خطوة وفي أكثر من اتجاه، هو معرض الكتاب الثامن والعشرين في مكتبة الأسد الوطنية، وفي لحظة جد استثنائية، تعيد الرهان على الثقافة بمفهومها الأوسع، وتستعيد الثقافة بوصفها أسلوب حياة، لكن في الخصوصية السورية ستصبح الثقافة واستعادتها واحدة من أفعال المقاومة بامتياز، مقاومة الظلام والظلاميين، فكيف إذن نصوغ هذا النسيج الوطني من جديد، وبخياطة أكثر أناقة لأجيال جديدة يعيد لها الكتاب الوعي باستحقاق وجودها، فليس الأمر محض تقليد وحسب، بل إنه أكثر من ذلك لأنه يصب في صناعة وطنية ثقيلة، تعيد سورية إلى الجغرافيا الثقافية، بالتدرج وصولاً إلى التراكم حتى جلاء الأزمة، وبزوغ عصر يعود فيه الحب ثقافة وكلمة وموسيقا وتشكيل ودراما وعلاقات مجتمعية تصحح بوصلتها بتركيز الوعي، وانتظام الدورة الدموية في جسد القراءة.
كان ذلك هو دأب من رعى ومن دعا إلى هذه التظاهرة الوطنية الباهية، انطلاقاً من دعوة السيدة الدكتورة نجاح العطار نائب السيد الرئيس بشار الأسد، مترجمة تطلعات القيادة السياسية وبما تضافر من جهود مخلصة لمؤسسة اتحاد الكتاب العرب، ممثلة بـ الدكتور نضال الصالح رئيس الاتحاد وأعضاء المكتب التنفيذي، ووزارة الثقافة وجهود الهيئة العامة السورية للكتاب ممثلة بالأستاذ توفيق أحمد المدير العام للهيئة، واتحاد الناشرين السوريين وجهوده الواضحة في هذا الاتجاه ممثلة بالأستاذ هيثم الحافظ، والمشتغلين معه في اتحاد الناشرين.
معرض الكتاب عنوان كبير سوف تأتلف فيه عناوين الحياة السورية المتجددة، إلى المعرفة وإلى طقوس القراءة التي نستعيدها اليوم، ونستعيد معها زمناً مازال فيه الكتاب شرارة الذائقة والمعلم وسادن الحلم بأن نبني مجتمعاً قارئاً ومعرفياً، فتمكين أجيالنا الجديدة من القراءة سيخلق أكثر من نافذة على الأفق السوري، يوم تعود القراءة إلى أفعالها الأولى في مشهدنا الثقافي، ويستعيد الكتاب دورته الحضارية التي سعى أعداء التنوير إلى تغييبها، وفرض جهل مذموم والعودة بالحياة إلى أمنية القلب والحرف والفكر.
بعد توقف قسري نعيد طرح الأسئلة المنتجة لكل خطاباتنا الثقافية، وأدلها في الراهن السوري، كيف نستعيد ذلك الدور وبحكم موقعنا في قلب العالم، أما وقد بدأنا حقاً وبرمزية ما جرى، فقد كان ذلك كله رسالة إلى الداخل السوري، بقدر ما هو رسالة إلى الخارج، أن سورية تنهض في ميدان الثقافة، كما تنهض في ميدان المواجهة الضارية، واستحقاقات الميدان على اتساعه هي استحقاقات الأمل بأجيال قادرة على صنع الغد السوري، الآتي من رحم الألم، وقد عبّد الشهداء طريقه لينمو حرف هناك، ويقرأ كتاب هنا، هكذا تترجم أفعال وثقافة وفكر المقاومة على الجغرافيا السورية، التي لم تغادرها الشمس أبداً، وتعود أيضاً الذاكرة الثقافية لإشعاعها الحيوي والضروري، أو لمجالها الحيوي الأكثر دلالة في الشخصية الثقافية السورية، بوصفها دالة التغيير في الدورة الحضارية والمعرفية، بيد أنه يمكننا بكثير من التفاؤل الخلّاق أن نستعيد الكثير من أسئلة الحياة الثقافية، والتي تكثفها تلك الإشارات، وصولاً إلى صوغ الهوية الثقافية الأكثر انفتاحاً على الذات والعالم، أي بترسيخ تلك المنظومة القيمية التي سعى أعداء سورية إلى تفكيكها وفصم عراها، ولكن شبّه لهم لأن نسيج سورية الثقافي مازال بأيدي المستنيرين الأقدر على صوغه، ليكون بحق مرايا الشمس، وفاتحة كل النهارات القادمة من أعلى النوافذ والباقية لشعب يستحق الحياة، في طقوس الولادة والخصب والتجدد، وفي تعبيرات الحياة الأكثر وضوحاً لمن شاؤوا أن يظلوا في غي الجهل نائمين.
أحمد علي هلال