ثقافة

بعد أن أسدل الستار على معرض الكتاب مدير مكتبة الأسد الوطنية: المعرض علامة فارقة في الحياة الثقافية السورية

أسدل الستار مؤخرا في مكتبة الأسد الوطنية على الدورة 28 لمعرض الكتاب ولا أحد ينكر أن عودته بعد غيابه القسري بسبب الحرب على سورية، كانت مفاجأة وحدثاً سعيداً لكل السوريين الذين اعتادوا ارتياده عاما بعد عام، وبالتالي فمن الظلم أن تقيم هذه الدورة وفق الغايات التي نطمح إليها دوما، حيث كانت تكفي مجرد عودته إلى راحتنا الثقافية لتكون العلامة الفارقة في صباحات ومساءات دمشق..

التقييم للإعلاميين و للجمهور
وللوقوف أكثر على كواليس هذه الدورة من معرض الكتاب كان حوارنا مع مدير مكتبة الأسد الوطنية صالح صالح الذي رأى أنه ليس من المنطقيّ أن يقيّم هو معرض الكتاب في دورته الحالية لأنه المسؤول الأول عنه، تاركاً أمر التقييم للإعلاميين والجمهور حسب ما تم إنجازه خلال العشرة أيام السابقة.
أما على الجانب الآخر فقد أوضح أن المشاركات بالعموم كانت جيدة ومتعددة من حيث نوعية الكتب وغناها وتعدد عناوينها، حيث شملت المشاركة دور نشر عامة ومتخصصة (علمية–أدبية–تاريخية.. الخ) وهي موجهة إلى كافة المستويات من الأطفال واليافعين والكبار، مؤكداً أن أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع الوصول إلى هذا المستوى من النجاح، إن كان بعدد الدور المشاركة أو كثرة العناوين وتنوعها أو حتى مستوى الحضور الذي كان كثيفاً، لتكون المفاجأة الأخرى برأيه حركة البيع وإقبال الجمهور على الشراء واقتناء الكتب، في وقت ظن فيه الكثيرون أن القراءة لم تعد من أولويات الناس في ظرف طغى فيه الهم المعيشي، وبهذا تكون الرسالة التي أريدَ لها أن تصل من خلال إعادة إطلاق المعرض التأكيد على أن سورية مازالت وستبقى بخير، وأن شعبها محب للحياة ولا يمكن لأحد أن يخرجه من دائرة الوجود، وأن هذه الهجمة التكفيرية الشرسة التي تنشر الفكر الظلامي الأسود فكر القتل والتدمير لا يمكنها أن تؤثر به لأنها غريبة عنه، وهي بالتالي مهزومة ومندحرة، وهذا برأيه أكبر نجاح للدورة الـ28 للمعرض والتي تكمن أهميتها  بإعادة الحياة للمعرض بعد غياب قسري له نتيجة الظروف الصعبة التي تعيشها سورية، معتبراً هذه العودة إنجازاً بحد ذاته في ظل هذه الظروف، وقبل ذلك هو الرعاية الكريمة التي خص بها د. بشار الأسد رئيس الجمهورية هذا المعرض وهي دلالة أكيدة على اهتمامه بالإبداع والمبدعين من مؤلفين وكتّاب وباحثين في كل المجالات، مشيراً صالح كذلك إلى البرنامج المتنوع الموازي للمعرض حيث انطلقت فعاليات ثقافية مميزة، فقد أطلق اتحاد الكتاب العرب لأول مرة مهرجان الشعر والقصة وجمع فيهما عدداً كبيراً من الأدباء والشعراء السوريين والعرب وكانت تظاهرة أدبية جميلة لم يسبق أن أقيمت في المعارض السابقة، كما تم توقيع عشرات الكتب من قبل أصحابها في القاعات ودور النشر نفسها، التي استقدمت بعض الكتّاب من أقطار عربية مجاورة، وهذه الظاهرة الجديدة على معرض الكتاب كما أوضح صالح تجربة رائعة وناجحة لأنها خلقت تواصلاً بين الكاتب والقارئ الذي شعر بحميمية هذه العلاقة ودفئها على الصعيد الإنساني، والتي تطورت عند البعض لتصبح صداقات عميقة.

سورية بخير
وبالعودة للنتائج الإيجابية الكثيرة لعودة المعرض أكد صالح على أننا استعدنا الأيام الجميلة للمعارض ابتداء من معرض دمشق الدولي إلى معرض الكتاب بدوراته السابقة والتي كانت تحمل ذكريات جميلة لكل من شارك فيها، بالإضافة إلى الرسالة التي وجهها المعرض والتي تقول أن سورية بخير وتتجه إلى تحقيق النصر النهائي الأكيد، إضافة إلى قدرة المعرض على استقطاب هذا القدر الكبير من الجمهور المتعطش للقراءة، واطلاعه على كل ما هو جديد من فصول العلم والمعرفة التي تُنشر خارج سورية بعد انقطاع طويل، وترميم الهوة الكبيرة التي حصلت في هذا المجال خلال السنوات الخمس العجاف الماضية.

العمل السهل لا يثير تحدياً
وقبل أن يتحدث صالح عن الصعوبات التي واجهتهم في إقامة المعرض أشار إلى أن  النجاح في تنفيذ أي عمل صعب هو متعة بحد ذاته، لأن العمل السهل لا يثير حالة التحدي التي تتصاعد كلما كانت هناك صعوبات ومعوقات، والصعوبة كانت برأيه أولاً في اتخاذ قرار إقامة المعرض الذي كان يواجَه بعدد من وجهات النظر المعارضة لإقامته من جهات متعددة، لأسباب ربما تملك وجهة نظر مقنعة، ولكن هذا لم يقف حائلاً أمام الرغبة في المحاولة والانطلاق، ناهيك عن النيران الصديقة التي جاءت من أشخاص حاولوا العرقلة لأسباب شخصية، ومع هذا تم الانتقال من الفكرة إلى التنفيذ العملي، فكان رسم المخططات والانطلاق للتنفيذ بعد البحث عن جهة تقيّم البنية التحتية للمعرض، وتبني الأجنحة وتجهزها لوجستياً وتستقبل المشاركين العرب، وتنقل كتبهم وتؤمّن وصولها من لبنان إلى المكان المخصص.
وانطلاقاً من النقد الذاتي أكد صالح أنه كان ينقصهم المزيد من الوقت للتحضير حتى يكون المشهد أفضل، فمثلاً كان يجب أن يكون للمعرض مكتب صحفي ومكان مخصص للإعلاميين، فيه عدد من الكمبيوترات وخطوط النت ومكتب استعلامات خاص بالمعرض يحتوي على كافة العناوين الموجودة في كل جناح، مبيناً أن هذا كله سيتم تلافيه في المعرض القادم بعد أن يتم تقييم هذه الدورة بسلبياتها وإيجابياتها، وبالتالي ستبنى الخطط المستقبلية بناء على ذلك، لتتم الاستفادة من هذه التجربة إلى أقصى حد، حيث الطموحات كبيرة للمعرض القادم الذي سيتم التحضير له فوراً بعد استراحة قصيرة هي استراحة محارب، لأن الجهد الذي بُذل لإنجاح هذه الدورة كان كبيراً، منوهاً إلى الإصرار على إبقاء هذا المعرض علامة فارقة في الحياة الثقافية في سورية، ليس كمكان لبيع الكتب وعرضها فقط، بل بتحويله إلى مهرجان ثقافي يضم نشاطات متعددة ثقافية وفنية وإبداعية تكون أيضاً علامة فارقة في حياة الناس.

نادٍ سينمائي في المكتبة قريباً
وختم صالح حواره بتأكيده أن الدورة  28 للمعرض كانت ناجحة بكل المقاييس، بفضل العمل من قبل كل العاملين في مكتبة الأسد الوطنية، والشركاء في اتحاد الناشرين الذين كان لهم دور فاعل وأساسي في نجاح هذا المعرض، بالإضافة إلى الدور الملحوظ لاتحاد الكتاب العرب الذي يشارك لأول مرة بهذا الحجم في فعاليات المعرض، مشيراً إلى نجاح التجربة الجديدة التي أنجزت بين مكتبة الأسد والمؤسسة العامة للسينما من خلال إطلاق مجموعة من الأفلام على هامش المعرض، وقد لاقت قبولاً من الجمهور الذي ملأ الصالة وتفاعل معها، مبيناً أن هذا النجاح سيتمخض عن فكرة إقامة نادٍ سينمائي في مكتبة الأسد بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما، يتم فيه عرض  فيلم كل أسبوعين تليه مناقشة تفاعلية بين الجمهور والقائمين على الأفلام من مخرجين وكتّاب وممثلين.
كما لم ينسَ صالح توجيه الشكر لكافة الزملاء الإعلاميين في كافة المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة على الجهد الكبير الذي بذلوه في تغطياتهم الصحفية لفعاليات المعرض، مؤكداً أنه لولاهم لما استطاع المعرض الوصول لأكبر شريحة من الجمهور.. والشكر الأكبر برأي صالح لكل من عمل في هذا المعرض وساهم في إنجاحه، وخص بالشكر السيد وزير الثقافة محمد الأحمد الذي كان لمتابعته اليومية وتوجيهاته دوراً أساسياً في إنجاح هذا العمل الكبير، فقد قام بتذليل كل العقبات إن كان بالتواصل مع الجهات العليا أو تقديم الدعم المباشر على مدار الساعة وحتى انتهاء المعرض.

أمينة عباس