ثقافة

أيام الشعر” في مكتبة الأسد اختلاف في الأساليب الشعرية واتفاق على التغني بالشام وياسمينها وقاسيونها

مازال الشعر في عصرنا الحالي كما كان في العصور الغابرة مرآة للواقع المعاش، وحالة شعورية للذات للتعبير عما يحيق بها، وبدا دور الشعر واضحاً في فعالية أيام الشعر التي أقامها اتحاد كتّاب العرب خلال أيام معرض الكتاب في مكتبة الأسد على مدى يومين وعبْر أربع جلسات، بمشاركة الشعراء أعضاء اتحاد الكتّاب العرب مع الضيوف العرب، وقد اقتصرت على القراءات الشعرية دون قراءات نقدية .
ألقيت في اليوم الأول مجموعة قصائد للشعراء خالد أبو خالد من فلسطين، طلال الغوار من العراق، مناة الخير وانتصار سليمان وفاديا غيبور ود. نزار بريك هنيدي من سورية، وإن اختلفت الأساليب الشعرية وفق صوت كل شاعر ومدرسته بين العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر، إلا أنها استمدت مفرداتها وتساؤلاتها من وجع الوطن، وأثارت صورها البيانية نشيج الحزن الصامت الساكن في الأرواح والمآقي، وارتبطت بعلاقة حميمة مع الأمكنة ومع شذى الياسمين، و كما قال د. بريك هنيدي “بالقليل من الفرح المتبقي لنا سنغني”. وقد توقفت “البعث” مع عدد من الشعراء، والبداية كانت مع الشاعر خالد أبو خالد الذي يرى أن سورية هي الدولة التي لاتنكسر، وأن معرض الكتاب وجه من وجوه دمشق، ودليل على حيوية سورية وصمودها وانتصارها القريب على كل غاز لهذا التراب الطاهر، ويرى أبو خالد في روح التواصل بين الشعراء والأدباء والمثقفين على مدى جغرافية سورية، شيئاً من التواصل بين سورية وفلسطين، بين سورية الشمالية وسورية الجنوبية التي تمتد من السويس إلى الفراتين، وعن مضامين القصائد التي أُلقيت خلال الجلسة يؤكد بأنها رافعة للحياة الثقافية ولكل شاعر صوت ومدرسة واتجاه فكلها مؤثرة.

أين بغداد؟
وقد أثارت هذه المناسبة حفيظة الشاعر العراقي طلال الغوار على مدينته بغداد من خلال  قصيدته”أبو جعفر المنصور” التي غلبت عليها لغة التخيّل وخلق حالة من التماهي بين الحاضر والماضي في السؤال عن بغداد ومصيرها إثر تعرضها للعدوان الأمريكي والميليشيات،”يقف أناس ملثمون، وآخرون مدججون بالموت يسألون من تكون، فأهمس في داخلي أين بغداد…؟” فتمكن الغوار من توظيف الرمز “التمثال” في السؤال عن الحاضر. ويبيّن بأن إعادة معرض الكتاب شكل من أشكال التحدي، فالثقافة هي التي ترسم معالم الحياة، ولهذه النشاطات مدلولاتها بأن سورية مفعمة بالحياة والحب، وبدلالة أخرى هي حالة تحد متعددة الأشكال لمواجهة الفكر الظلامي المستثمر من قبل أعداء سورية للغزو الفكري وتخريب القيم والتاريخ والآثار وكل أشكال التدمير. ويرى الغوار بأن الشعر على مرّ العصور عمل على خلق حالة وعي وإثارة الأحاسيس، فالشعر كان صوت القبيلة ووفق متغيرات اليوم يجب أن يكون رافداً من روافد الثقافة ينتج حالة جديدة من الحياة مليئة بالأمل والتفاؤل.

سورية الأم
وتميزت الشاعرة مناة الخيّر القادمة من اللاذقية بقصيدة “أمي والعيد” التي رمزت من خلالها إلى سورية الأم، “أبحث عن ضوء يكسر وجع الليل الحارق الأجفان، للحظات العريانة إلا من دمع ودماء”، وكما ذكرت فسورية روح الأم الحنون التي ترافقنا في أسفارنا وتظهر في ملامحنا، هي المندمجة بصوتنا وتقسيمات وجهنا، فنحن نحمل وطننا معنا ونحن سفراء لها. وترى الخيّر أن جمالية الشعر تتنوع وفق الأساليب التي اختلفت من حيث بناء القصيدة وشكلها، لكنها نهلت جميعها من وجع الوطن، وحاولت أن تكون مفرداتها بلسماً يداوي الجراح، وعن عودة المعرض في هذا الوقت الذي مازالت فيه سورية تقاوم الإرهاب تقول: نحن نحتاج دائما إلى ثوابت في وجه الحرب الطاحنة التي حاولت أن تهزّ سورية وكان معرض الكتاب أحد الثوابت وفي الوقت ذاته هو مؤشر من مؤشرات عودة الوطن معافى وإن حمل الكثير من الجراح العميقة.

الشعر هو الحاضر
وكان لحضور الشاعرة انتصار سليمان وقع خاص بعد أن  ألقت قصيدة “أحبك أم لا أحبك” “أنا لاأحبك بل أحبّ صهيلك الممتد فيّ، وأحبّ أمك قبل أن تسري بها رعشات شمسك، قبل أن ترمي الليالي شال عفتها عليها، وقبل أن تأتي الصبايا يخترن اسمك” إلى جانب قصائدها الوطنية”التي ربطت بها بين الموت والقصيدة .
وقد أثنت على عودة المعرض كما كان وأفضل، وترى أنه أحد عوامل نصر سورية فعودة المعارض والمنتديات والملتقيات تعني عودة الوطن إلى ما كان عليه قبل الأزمة، لاسيما أن جميع القصائد التقت على الهمّ الوطني، ورغم تعدد الأساليب الشعرية يبقى الشعر هو الحاضر، وبالتأكيد رغم كل شيء مازال للثقافة دور في حياتنا في مواجهة الإرهاب الذي تتعرض له سورية.

ياسمين دمشق وأركانها
وتسرب عبق الياسمين إلى قصائد د.نزار بريك هنيدي فتعشق في غصون مفرداته الهائمة في أركان دمشق كما في قصيدته “حلم بطعم الشام” التي أظهر فيها عدداً من المعالم “ما زال لي في الجامع الأموي زاوية، تحاور سكينتها الطيوف، ما زال لي في ساحة الفردوس مقهى، لاتكف روائح التاريخ فيه عن الصهيل”، فسألته عن دلالته الشعرية في ذلك فأجاب: هذه الأماكن تربطني بها علاقة حميمة أخذت شكل عدد من التجليات والأحوال المتنوعة، وأظهرت ارتباط هذه المعالم بعبقرية المكان وعبق التاريخ الذي صنع خصوصية الذات السورية، أما عن شكل المنمنمات كأسلوب شعري، فيضيف بأنها حملت رؤى شعورية وفكرية متنوعة تمثل الذات الشاعرة في تفاعلها مع معطيات الواقع الذي تعيش فيه وتحاول السمو به ليصبح لائقاً بالجوهر الإنساني النبيل. ويرى د. هنيدي أن فعالية أيام الشعر من أبرز فعاليات معرض الكتاب لأهمية الشعر في سبر أغوار شخصية الإنسان العربي السوري، وكشف سماتها الأصيلة التي تنبع من عمق ارتباطها بالتاريخ والجغرافيا وتفاعلها مع التهديدات والأخطار التي تحيق بها.

ملده شويكاني