“طعام صلاة حب”.. توءم الروح الحقيقي هو أهم شخص تلتقين به
كل شخص بحاجة إلى أن يلقي نظرة على هذا الكتاب، لأنه سيعيد التفكير في كثير من الأمور، وسيكتشف أشياء كثيرة كامنة في نفسه، فهو كتاب يستحق أن يكون رفيقا جيداً خاصة للأشخاص الذين يصادقون الكتب أكثر من الأشخاص.
“إليزابيث جيلبرت” كاتبة وروائية تحلِّق في أفق المعاني وترسم أجمل صور للكلمات، فتصنع رواية وتبرع في تحويل وقائع رحلاتها وحقيقتها إلى أحداث رواية شيِّقة تجذب القارئ ليواصل حتى النهاية. وكتابها “طعام..صلاة..حب” يتحدث عن المرأة، تُعبر عن أفكارها أو إرادتها، تنوع جميل في هذا الكتاب ، ففقدان شيء مهم في الحياة ثم اكتشاف الذات بأكثر من مغامرة تحتاج لشخصية قوية بالتأكيد، والعثور على ماتحلم به، شيء مذهل.
نحن أمام رواية من أشهر الروايات العالمية، فقد بيع منها أكثر من 2 مليون نسخة كما أنها تحولت إلى فيلم سينمائي جسدت دور البطولة فيه الممثلة “جوليا روبرتس” حيث تنطلق الكاتبة إثر تجربة زواج فاشلة في مغامرة حول العالم باحثة عن ذاتها وروحها، يدفعها يأسها إلى إيطاليا، حيث تغرق في طيبات مطابخها وتنغمس في صداقات أبنائها، بعد ذلك تنطلق إلى الهند لتعيش ساعات متأملة في أسرار الكون، ومن هناك تنطلق إلى اندونيسيا لتعيش تجربتيها السابقتين مجتمعتين على يد حكيم متمرس حيث تكتشف الحب الحقيقي.
فهل يجدر بي هنا الحديث عن الكتاب؟ أم الحديث عن نفسي مع هذا الكتاب؟
ربما يجب أن أقول بأنها من الحالات الاستثنائية التي قد تواجه قارئاً أمام كتاب معين؟ شعور الفقد، لا أعرف إن كان المصطلح مناسباً، ولكن الحالة ربما تشرح أكثر، ولا أحتاج لقول الكثير؟ لكني أشعر بفراغ كبير وأنا أصل إلى الصفحة الأخيرة، تماما كمن يضطر إلى مغادرة بيت عاش فيه طويلاً، أو مكان اعتاد عليه طوال حياته، إنه من الكتب التي تدخلها إلى أعماقها، تنتشلك من واقعك، حياتك، عملك، هواياتك، مشاغلك، لتصبح جزءاً مما يحدث داخله، ترافق الشخصيات وهي ترسم خطوط قدرها التي تمضي بها إلى حيث لا تعرف، ولا نعرف، لكننا نمضي معهاـ بانتظار أن ندرك أخيراً ما قد تحمله الصفحات القادمة، مع أن الحزن يملؤنا، لأننا نعرف أن معرفتنا للنهاية، يعني بالضرورة نهاية الكتاب، فالرحلة عبر هذا الكتاب لا تحتاج منكِ سوى الاستمتاع والاسترخاء، إذ ستدفع إليزابيث عنكِ تكاليف السفر..فالطعام اللذيذ والصحة الممتازة، الطمأنينة الروحية والشعور بالحب وما يمنحنا من غبطة، هذا ما تبحث عنه كل امرأة ولكن كيف تصل إليه؟.
طبعاً ليس بالضرورة أن تسافر كما جيلبرت، ولكن عليها أن تتقبل ذاتها أولا ولا ترتكب فعلاً غير راغبة فيه ولا تضطر للعيش مع شخص لا تحبه، فقط عليها أن تكون كما تريد وتعيش كما تحب.
ليته كان طعاماً، لا أدري إن كانت إيطاليا فعلاً رائعة لذلك الحدّ الذي رأيتها فيه خلال قراءتي لهذا الكتاب أم أنني ذهبت في خيالي بعيداً، لكن لم يمرّ عليّ جوع أقوى من ذاك الذي لازمني أثناء سفري إلى إيطاليا معها، القسم الأول من الكتاب جذبني بكل تفاصيله الحزينة والكئيبة الرائعة الجميلة، بينما الهند كانت مملّة قليلا فالتأمل واليوغا يبعدوك عن الجو الذي كنت فيه بايطاليا. الشيء الجميل في الهند ذاك الصديق الذي صادفته هناك وذاك الاسم اللذيذ الذي أطلقه عليه “بقول حبّ” ولكن أعجبتني جداً طقوس المولودة التي تلامس قدماها الأرض للمرة الأولى كان رائعاً أن تتخيل ستة أشهر كاملة دون الوقوف على الأرض.
تمنيت في إيطاليا تذوق البيتزا وتمنيت في الهند أن أجلس في ذلك المكان المخصص للغورو، أتأمل السماء والمناطق المحيطة والهواء يداعبني، أما في بالي فأعجبني المنزل الذي عاشت فيه، بشكل عام جميلة هذه السيرة المختلفة قد تشعر بالملل في قسم الصلاة وترى أن قسم الحب كان قصير جداً، لكنني استمتعت برحلتها الروحيه وحوارها النفسي جداً، وبالطبع وصفها الجميل لايطاليا والهند واندونسيا.
رغم كل المآخذ الكتاب إلا أنها قدمت لنا نفسها امرأة تعرف كيف تكتب بفن، بعيدا عن البكائيات المغرقة من الغلاف إلى الغلاف..امرأة تعرف كيف تشد القارئ بشكل ساحر، لأنها كتبت بصدق وبساطة ودون تكلف فلم تراوغ ولم تدخل في البكائيات التي لا تكاد تفارق كاتباتنا، وهي لم تكرس الكتابة من أجل الوجع، إنما كتبت لكي تتخلص منه. كما أنها كانت حريصة على الوحدة الموضوعية في كل قسم، فهي في إيطاليا تحدثنا عن الطعام، وإذا تحدثت عن شيء شخصي لم تتحدث إلا لتعود وتحكي لنا من زواية أخرى عن ذات الموضوع، دون أن نتخطى السطور، وهنا سر الإبداع، كيف تفتن القارئ بطرق وأحداث متنوعة ليشعر بالحزن عند آخر صفحة، وهذا ماجعل الكتاب ممتعاً وظريفاً، رغم أنها كانت مملة نوعا ما ولا تعكس التوقعات التي ترجوها من رحلة روحية كانت بأمس الحاجة لها ولم تتعد سوى الحديث عن ترنيمات وجلسات تأمل لم تكن موفقة كثيراً بالحديث عنها، أما من يقرأ حديثها عن “بالي” عن “عبود، أوبود” عن تلك الأجواء الإندونيسية فإنه يعجب بها، فتخرج مع هذا الكتاب من أجواء رتيبة جدا، ومن قراءات جافة وعصية، إنه كتاب جدير بالقراءة. وكما قالت اليزابيث “أنت لست سوى ما تفكر فيه وأحاسيسك هي عبد لأفكارك وأنت عبد لعواطفك”.
دانيا عبارة