في ملتقى “المقاومة ثقافة وانتماء” المفتاح: المشروع القومي لايـزال يـواجـه التحديـات ذاتـهـا
انطلاقاً من أهمية استنهاض ثقافة المقاومة وتمثل قيمها، والارتقاء بالأداء الثقافي كي يليق بإنجازات الجيش العربي السوري والمقاومين على الأرض، وبغية مد الجسور مع المثقفين والكتاب لإعادة إحياء أدب المقاومة والتشجيع على الإنتاج الثقافي وصياغة الوعي بهذه الأزمة في مواجهة التكفير الظلامي والمشاريع الاستعمارية، واصل ملتقى “المقاومة ثقافة وانتماء” فعالياته لليوم الثاني حيث تحدث رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام القطري د. خلف المفتاح في الجلسة الأولى حول “البعث ومقاومة المشاريع الاستعمارية” فأكد على تصدي حزب البعث العربي الاشتراكي اليوم للمشروع الظلامي التكفيري والصهيو أميريكي، والتمسك بمبادئ الحزب وتطوير فكره وتنمية الروح النضالية بين الجماهير، مشيراً إلى أن شعار الحزب المتمثل بالأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة سيبقى مدعاة شرف وعزة وشموخ، يعبر عن يقينه بأن سورية ستعلن عما قريب انتصارها على الإرهاب وأدواته، وسينهزم المشروع التقسيمي والتضليلي الذي لا مكان له بين أبناء الأمة العربية.
< وفي تصريح لـ “البعث” قال د. خلف المفتاح: منذ تأسيسه كان لحزب البعث العربي الاشتراكي توصيف واضح لما يواجه الأمة العربية من مخاطر عدوانية، تتكون من ثلاثة عناصر هي: القوى الاستعمارية التقليدية، والعدو الصهيوني، والرجعية العربية، وحلل الحزب وشخّص من سيواجه المشروع القومي العربي والدولة العربية، وما يحدث اليوم من حرب إرهابية على سورية هو أكبر دليل على أن القوى الغربية الاستعمارية هي الأداة، والمال الخليجي النفطي المغذي، والكيان الصهيوني العنصر الأساسي والخفي الذي يظهر على المسرح عند الحاجة.
وأضاف د. المفتاح: إن الحالة السورية تختصر المشهد في المنطقة بشكل كامل لما تتمتع به من تنوع وحضارة وفكر، وبالتالي إن تأذت أو انهارت سورية سيتحقق مشروع الفوضى الخلاقة التي هدفها الأساسي تشتيت وتقسيم المنطقة، وإعادة إنتاجها على حوامل ما تحت وطنية منها طائفي وعرقي، وبالتالي إسقاط الهوية الجامعة.
وبين المفتاح أن حزب البعث العربي الاشتراكي تبنى الكثير من المشاريع ضد الاستعمار، واليوم نواجه أكبر مشروع استعماري مخطط له من قبل الكيان الصهيوني والغرب بوجود أدوات متأسلمة إرهابية تقوم بهذا الدور.
وعن أهمية هذا الملتقى يرى المفتاح أن هذه الملتقيات والندوات والحوارات تشكل مساحة من الوعي ليتعرف الجمهور العربي –المغيّب ذهنياً بحكم الإعلام والتضليل- إلى أهداف هذا العدوان، وبالتالي فشل المشروع الأميركي، ونجاح سورية في قيادة المنطقة نحو أفق جديد.
أمانة سورية على المقاومة
وتحت عنوان “أشكال المقاومة في الداخل المحتل” قدم الكاتب والأديب الفلسطيني علي سعيد بدوان أمثلة عديدة لجملة الوقائع التي رافقت الكفاح التحرري الفلسطيني، فنهج المقاومة في مسيرة الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية التحررية منذ ما قبل النكبة وحتى اللحظة الراهنة، التي اتخذت أنماطاً وأساليب متعددة تبعاً للظروف والمعطيات القائمة في كل لحظة من لحظات الكفاح الوطني التحرري للشعب الفلسطيني، واتخذت أشكالاً مختلفة من المقاومة الشعبية السلمية إلى الإضرابات والاعتصامات والعمل التعبوي إلى العمل المسلح، وتأتي أهمية الملتقى –كما يرى بدوان- في هذه الظروف لتكون بمثابة رافع لثقافة المقاومة يساعد في نشر فكرها وتثبيتها في نفوس الشباب الصاعد، ومن أجل توجيه رسائل للأطراف الخارجية بأنها كانت ومازالت على الخط الوطني والقومي رغم كل المصاعب التي تعيشها، والملتقى جاء ليكرس مسألة المقاومة التي لا يمكن المساومة عليها، وستبقى سورية رغم كل الظروف محافِظَة وأمينة على هذا الخط.
الأدب والإعلام المقاوم
أفرد الملتقى لمحور”الإعلام المقاوم وأهميته في صناعة الرأي العام- الانتفاضة الفلسطينية أنموذجاً” مساحة من النقاش، إذ اعتبر الباحث ياسر المصري الإعلام المقاوم من أكثر الأسلحة فعالية في المعارك والصراعات، لما له من تأثير هام في تكوين الرأي العام، لذلك هو إعلام قضية وليس إعلام حدث، وشريك أساسي في صناعة الانتصار، ويختلف عن الإعلام الآخر الخانع الذي يدجن العقل البشري باتجاه مشاريع مشبوهة وبعيدة عن حضارتنا، لافتاً أنه في حالتنا الفلسطينية لعب الإعلام المقاوم دوراً مميزاً في انتفاضة القدس الثالثة، رغم الضعف في أماكن معينة نتيجة لواقع سياسي مأزوم ومنقسم، إلا أنه في العديد من المفاصل الأساسية كان له بصمات واضحة، وتجلى ذلك التطور بوضوح بعد الاعتداءات الصهيونية المتكررة على قطاع غزة في السنوات الأخيرة.
تحديات وإنجازات
وعن التحديات التي يواجهها الإعلام المقاوم رأى “المصري” أنه مازال يواجه الكثير منها، والتي من الواجب تجاوزها ومواجهتها وتحديداً في انتفاضة القدس من أجل أن يكون شريكاً ومساهماً في تأجيجها، وليس فقط ناقلاً لمجرياتها، واليوم ظهر تحدٍ جديد له مع وجود الفكر الإرهابي التكفيري. كما أشار المصري إلى أن الإعلام السوري المقاوم، يكاد يكون الوحيد على المستوى الرسمي العربي الذي غطى أحداث الانتفاضة، وبقيت فلسطين قضيته المركزية برغم ما يعانيه الواقع السوري من أزمات.
أدب مقاوم
كذلك حظي “الأدب المقاوم في مواجهة الأدب في الكيان الصهيوني” بمساحته عبر الكاتب عدنان كنفاني الذي طرح أسئلة هامة في بداية مداخلته وهو: هل استطاع أدب المقاومة حمل رسالته في مواجهة الأدب الصهيوني المضاد؟ وهل يستطيع أدب المقاومة الخروج من تحت عباءة الأدب المقاوم بالعموم؟ وهذا كله مركب على أساس أن الأدب المقصود هو الأدب الملتزم عندما يتحدث عن العدل فهو يقف موقف المقاوم للظلم، وعندما يتحدث عن الحرية والعلم فهو يقاوم العبودية والجهل حتى عندما يتحدث عن الحب والعلاقات الإنسانية فهو يقف موقف المقاوم للكراهية ولعوامل الخلل، ويرى كنفاني أن الأدب كان عبر العصور بأجناسه المتنوعة الناطق الرسمي لمفهوم ثقافة الشعوب، والحامل الرئيس لهموم الشارع وتطلعاته واستطاع أن يحمل بجدارة مسؤولية التاريخ والتحريض وإغناء الذاكرة واستطاع من خلال المبدعين أن يواكب مراحل النضال ويكون في مواقع صنع الحدث، وأن يستخدم الذاكرة بامتياز ويكرس علاقة الناس بالوطن.
أدبنا العربي
وفيما يخص أدبنا العربي يؤكد كنفاني أنه اتكأ على المخزون التاريخي الثري والقناعة التي لا تحتاج إلى تبرير بحق امتلاكه لأرضه ووجوده، على عكس ما ينشده المحتل الصهيوني في محاولته ربط وتبرير وجوده كمحتل على أرض، لا تخصه بموروثات مبتدعة أو بحجة ما تعرض له من ظلم من أصقاع أخرى، فهو يحاول من جهة تسويق حق ديني ملفق، ومن جهة أخرى تسويق حالة تستدعي الإشفاق، فمن هذه المنطلقات النظرية ندخل إلى استعراض سريع لكيفية اشتغال الأدب الصهيوني وركوبه الموجة، مما يستدعي العودة إلى أدبيات الصهاينة أنفسهم منذ البدايات، مؤكداً أن صراعنا مع المشروع الصهيوني هو صراع وجود وليس أمامنا غير أن نقاوم.
وعلى هامش الملتقى تابع الحضور الفيلم الوثائقي “النادمون” إنتاج قناة العالم يتحدث عن جغرافية خاصة بمنطقة ريف دمشق وما تعرض له الأفراد من تغرير وأوهام نقلتهم إلى منحى آخر.
جُمان بركات- لوردا فوزي