ثقافة

عولمة الطفولة

لا شكَّ أنَّ لعب الأطفال تشبع حاجةً نفسيّةً واجتماعيّةً لدى الأطفال، واللعب ضروري للطفل في مختلف الثقافات الإنسانيّة، لأنه بلعبه يتواصل مع عالمٍ جميلٍ من الخيال والمتعة والتدريب في آنٍ واحد، فعالم اللعب مليء بالألوان والصخب والدروس، ومن خلاله تتشكَّل شخصيّة الطفل وتتوسع مداركه وتتطوَّر مهارته الحياتية.
ومع سطوة العولمة ظهر في السنوات الأخيرة في المجتمعات العربيّة ألعابٌ تعتمد على تقنياتٍ رقميَّةٍ تستخدم فيها شاشات التلفزيون والطاقة الكهربائية لتبرز صوراً متحرِّكةً على هذه الشاشة ومن ثمَّ تبهر الأطفال.
لقد أثبتت دارساتٌ عديدةٌ خطورة مثل هذه الألعاب، “الفيديو جيم” و”البلاي ستيشن” وغيرها، حيث أنَّ الإدمان على مشاهدتها من قبل الأطفال يؤدي إلى حركات العنف والعدوانية لديهم، كما أثبتت دراسة أخرى أجريت في كندا أنَّ الأطفال الذين يلعبون بهذه الألعاب لمدةٍ تتراوح بين ست إلى سبع ساعاتٍ يومياَ يصابون بالصرع والهزال والتأخر الدراسي، وفي مجتمعنا العربي يؤدي الإعلام العربي دوراً بارزاً للترويج لمثل هذه الألعاب، حيث يشاهده الأطفال في أفلام الكرتون والرسوم المتحركة، والكارثة أنَّ الأطفال يميلون لتقليد كلِّ ما يشاهدونه في التلفزيون دون وعيٍّ منهم فيميلون للعنف والضرب مع أصدقائهم، وقد يؤدي بهم إلى سلوكياتٍ أخرى غير سويَّة.
وحول الشخصيات الكارتونية فنحن نرى أنَّ الإشكالية تكمن في المضامين التي يقدِّمها الإعلام دون وجود توعيةٍ من قبل الأهل لأطفالهم، والدليل أنَّ شخصية “البوكيمون” اجتاحت العالم ودولنا العربية مؤخراً، حيث بهرت تلك الشخصيَّة الكرتونية الأطفال وجذبتهم وأصبحت تقدَّم على شكل أفلام كرتونية وألعاب فيديو وملصقات وحلوى وأدواتٍ مدرسيَّة، فأصبح الأطفال محاصرين بهذه الشخصيَّة التي أغرقت الأسواق بمنتجاتها، ولكنها في الواقع جرعاتٌ من المتعة المسمومة يقدمونها في صورةٍ جذابةٍ للأطفال.
من هنا لا بدّ لنا وفي هذه المرحلة التي تكالبت فيها قوى الشر والعدوان تارةً باحتلال الأرض العربية وأخرى بالعدوان الهمجي من خارج الحدود كما حدث في سورية والعراق، فإن ما يحدث اليوم من تشويهٍ لعقليَّة الطفل العربي من خلال هذه الألعاب التي تشجعها أكثر دوائر المال إجراماً ووحشيَّةً في إسرائيل، تتطلب وقفةً شموليةً للإعلام العربي بأن يقدِّم لأطفال العرب مضامين توضح خطر العولمة الجديدة، بما في ذلك من توضيح مخاطر هذه الألعاب على سلوكهم، وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم وتراثهم العربي، كما يجب التشديد على دور الأهل في مراقبة أطفالهم عند اختيار ألعابهم وانتقاءها بعناية خوفاً من أن تطال العولمة أطفالنا مبكراً.
د. رحيم هادي الشمخي