ثقافة

الرواية التي لا تشبه الروايات العربية.. “أنــا أعــرف من قتلنــي” فــي ثقافــي دمشــق

كان من الصعب على نادي “شام للقراءة” بعد النجاح الكبير الذي حققته روايتاه الأولى “رحلة إلى المريخ”، والثانية “أنا أعرف من قتلني” أن يتجاهل الإقبال الكبير على قراءتهما خاصة وأن كاتبهما د.نبيل قوشجي قد استطاع من خلالهما اختراق عوالم جديدة في مجال الكتابة على صعيد الشكل والمضمون، لذلك وبعد أن تناول أعضاء النادي بالقراءة هاتين الروايتين عبر “الفيسبوك” دعا مؤخراً بالتعاون مع المركز الثقافي العربي “أبو رمانة” إلى مناقشة وتوقيع الرواية الثانية “أنا أعرف من قتلني”، وقد تبين من خلال المناقشات الكثيرة التي دارت أن هذه الرواية كما الأولى استطاعت أن تشكل إضافة حقيقة لعالم الرواية السورية، وذلك بشهادة الكثيرين ممن قرؤوها، وهذا ما دعا سامر الشغري رئيس القسم الثقافي في وكالة سانا والذي حضر المناقشة إلى القول أن سورية ستفخر يوماً من الأيام بأن لديها كاتب كالـ د. نبيل قوشجي، كما تفخر أميركا اليوم بداون براون، مؤكداً أن في جعبته الشيء الكثير على صعيد ما يسمى بالأدب العلمي الذي لا يعتمد على خيال وشطط بل قواعد علمية.

نجاح غير متوقع
ومع أنه يكتب نثرات أدبية هنا وهناك إلا أن نتاج قوشجي الروائي بدأ من روايته “رحلة إلى المريخ” التي طبعت عدة مرات بالعربية وترجمت إلى الإنكليزية ونشرت بها وقد كتبها كما أوضح لـ “البعث” قبل بدء المناقشة أنه كتب الرواية الأولى كرسالة لأولاده، وهي تتحدث عن الطموح الإنساني الذي يتحول لطمع ومن ثم لجشع، مبيناً  أن النجاح الذي حققته هذه الرواية كان غير متوقع  بالنسبة له حيث أدرجت ضمن 28 رواية في تاريخ الأدب، ولا يخفي أن هذا النجاح  شجعه على اقتحام عالم الرواية مرة ثانية من خلال روايته “أعرف من قتلني” خاصة وأن إحدى الصحفيات المغربيات قد حفزته كثيراً على كتابتها عندما كتبت عن روايته الأولى رحلة إلى المريخ، أنه استطاع من خلاها اقتحام عالم الرواية من باب الخيال العلمي فشجعه هذا الكلام على  أن يبحر في عوالم أخرى من خلال روايته الثانية “أعرف من قتلني” ولكن من باب آخر هو عالم الجريمة  فاختار القالب البوليسي لها عن سابق تصميم وإصرار لتكون رواية غموض وجريمة حيث الأجواء البوليسية فيها ليست عفو الخاطر أو مجرد محاولات ارتجالية، بل سار بها وفق مخطط مدروس بعناية.

كن أنت المفترق
يقول القاضي  في الرواية: “كن أنت المفترق.. فلا يكوننّ ما بعدك كما كان من قبلك!” وباعتباره شخصاً أكاديمياً يكتب قوشجي وهو يعرف إلى أين سيصل.. ولذلك يؤكد  أن روايته “أنا أعرف من قتلني” ستكون منحى جديداً في الأدب لم نقرأ مثله من قبل! من هنا نجد في هذه الرواية شخصيات بلا أسماء، ربما لأن الأسماء هنا  برأيه لا تهم، ولو وجدت لحدّت أبطال القصة في مكان أو زمان أو جنسية.. وهم في الواقع بشر موجودون في كل مكان: “قد يكونون من جيرانك أو معارفك أو حتى قد تجد نفسك -أيها القارئ- أحد أبطال الرواية”، موضحاً كذلك أنه في هذه الرواية كتابان بين دفتي كتاب، الأول يضم النص الأزرق المكتوب بخط لمعرفة القاتل، والثاني الذي طبع، وفيه يمكن أن يقوم القارئ بالاستعانة بذكاء المحقق والطبيب الشرعي: “وعندما تصدمك الحقيقة أعد قراءتها ثالثة واستمتع!”.
وحول اللغط الذي دار في فترة من الفترات حول التشابه بين الرواية ومسلسل “أحمر” يؤكد قوشجي أن بعض المحيطين اعتقدوا ذلك في بداية عرض المسلسل لأن الحلقة الأولى منه كانت تتحدث عن مقتل قاضٍ، في حين أنه لم يشاهد المسلسل وقد كلف ابنته بمشاهدته لضيق وقته، وقد أكدت له أن الفكرة المشتركة  بين المسلسل والرواية هي مقتل القاضي في حين أن التفاصيل الأخرى لا تمت للرواية بصلة وقد انتهى الأمر عند هذا الحد.
وكطبيب أسنان  يعمل في التشريح المرضي ينوه إلى أن عمله ساعده كثيراً في هذه الرواية بالتحديد في ظل وجود جريمة قتل، وبالتالي لم يعان إلا على الصعيد الإنساني عندما وضع نفسه مكان الطبيب الذي شرّح صديقه، مؤكداً أن القاسم المشترك بين الطب والأدب هو الجانب الإنساني، فالطبيب يجب أن يكون إنساناً وكذلك الكاتب.
أما الأسلوب الأدبي الذي نجح فيه فلم يكن مجرد عارض بالنسبة له، وهو الذي ولد وتربى في ظل والد شاعر وأم دارسة للأدب العربي وهو، وإن كان قد اتجه في عمله نحو الطب والعلم، إلا أن ميوله كانت أدبية، وقد كان وما زال قارئاً من الدرجة الأولى.
رحلة إلى المريخ
كلّ ما هو مذكور في الرواية من معلومات تاريخية وأدبية وجغرافية وعلمية وثقافية هي حقائق موثقة، فالرواية من هذا الباب برأي قوشجي هي جرعة مكثفة من الثقافة العامة المسبوكة في قالب قصصي احترافي، أما الحبكة القصصية فهي مزيج من علم النفس لسبر أغوار السلوك البشري بعيداً عن الثالوث المحرم: “الدين والجنس والسياسة” وإن لمست القصة أطراف الثالوث من غير خدش للقيم أو انتهاك للحرمات أو مسّ بالعقائد، موضحاً أن الرواية جنس أدبي ممتع ولكن المتعة وحدها لا تكفي لكتابة الرواية برأيه، من هنا يحرص فيها على تقديم المعلومات الجديدة سواء في التاريخ أو الجغرافيا أو السياسة.

رأي القارىء
تصف ريم مشكاوي في قراءتها لرواية “أعرف من قتلتي” بأنها رواية بأحداث متسارعة وقصة ممتعة، تتناول قصة قاض معروف بعلمه وثقافته وحنكته ويلعب فيها المحقق دور الرجل المفكر والباحث عن الحقيقة التي تختفي خلف الغاز وأحجيات أدرجها القاضي في مذكراته، لتكون الرواية في الظاهر قصة جريمة وتحقيق معمق وشيق، وفي الواقع قصة حياة رجل معذب عاش حياته محاولاً إخفاء حزنه وتصدعه الداخلي، وما يلفت النظر في هذه الرواية والرواية التي قبلها برأيها غنى هاتين الروايتين بالمعلومات الفنية في كافة المجالات التي أكملت النص الروائي، وأن ما شدها في الرواية هو قدرة الكاتب على بناء شخصياته فجعلها واقعية مختلفة في الحياة.. في حين يبين حبيب رزيق والذي تحدث كقارئ لا كـ ناقد أو مختص أن الرواية لا تشبه الروايات العربية التي قرأها، وهي تخلو من العواطف المجانية التي اعتدنا وجودها في كتاباتنا.

طبيب وكاتب
ود. نبيل قوشجي معروف في الوسط الطبي فهو طبيب أسنان وأستاذ جامعي مختص بعلوم أمراض الفم وحائز على شهادتيّ الماجستير في العلوم الطبية والصيدلانية، والدكتوراه في علوم طب الأسنان من جامعة بروكسل في المملكة البلجيكية، وهو متميز في اختصاصه الطبي وقد سبق ونال جائزة أفضل بحث في طب الأسنان في العالم لعام 2005 وجوائز عالمية طبية أخرى. كما ألّف ونشر وترجم العديد من الكتب الطبية، إذ بلغت كتبه المطبوعة حتى الآن السبعة عشر كتاباً علمياً.
أمينة عبّاس