ثقافة

المنسيّ

أحمد عساف

أنا المنسيّ في عتمة هذا الزمن الرديء, رمتني الحياة في جحيم قسوتها وما انتبهت إليْ, مرّ سرب القطا, ورف الحمام, دون أن يلقي عليّ السلام.. مرّت الصبايا الجميلات, دون أن يعبرن رصيف قلبي الذي يبتهج حين يتبسّمن له.
أنا السيئ الحظ، كذبت عليّ العرافة مرة ومرتين, إذ إنها لم تقرأني مثلما قرأتها, أنا ضحية الخطايا التي لم تقترف. عرّاب التفاحة التي لم تقضم بعد, ورقة التوت المحنطة على (روزنامة) أيامي التي تفلت من بين أنين نايات حنيني إليها, غير آبهة بكل هذا الوفاء البهي لها, وهي كثيراً ما تحيلني, إلى رجل مهمته الوحيدة, قطف ورقة من أوراق العمر, مثلما أوراق لذْنَ بالفرار باتجاه الريح الذاهبة نحو الجهات المجهولة.
أنا (أحمد)  بلا أصدقاء, الأصدقاء (الذين ربيتهم في الصحو وفقدتهم في الغفلة). أصدقائي الذين خلتهم ذات طفولة هبوباً للفرح, وظلاً لايخون, وبوصلة لمرافئ الروح التي لاتقود إلى الخطيئة.
متألم جداً, لأنني بلا أحد, الألم يكاد يذهب بي إلى جحيم لست أسعى إليه.. لا أصدقاء لي ولن يكون, في ما مضى كان لديّ الكثير, لعلّي تخيلت ذلك, لعّل ذلك كان وهماً أو توهّماً, لعّلي  كنت الكثير, وهم الوهم, أو…, هذا أنا الذي علّق على جدران روحه صورهم, ونسج لهم من عباءة الزمان قصصاً وحكايات تروي لهم غدر الزمان, وإن الوفاء مشهد لن يتكرر مرتين, مثل الحب والعمر والموت والولادة.
لا أصدقاء لي ولن يكون, لي مثلما للطير عشٌ غير آمن, لكنّه يأوي إليه..لي مثلما للغريب سرير بارد ورديء, حين يهده تعب الغربة يندسّ فيه…, لاشيء آخر, لاجدوى من الذي يُقال ولا يقال. ولا من كل هذا وذاك!.
كنت ذا غفلة ذاك الطفل البريء, اعتقدت مرة أنهم ملاذ الروح إذا احتارت, وإذا ضاقت بها الدنيا..كانوا عشرات, ومن ثم لا أحد؟!.
يا لجمال هذا الذي لاأحد, وأصبحت بلا أحد، لكنني فرحت لأنني بلا أحد, لكي أهادن الروح التي نذرتني إلى لا أحد. أعرف أنّ الله سيغفر لي مرتين, مرة لأني تعبت وتعذّبت كثيرا في خدعة الصداقة, ومرة ثانية لأنني بلا أصدقاء.
ورأيت كما يرى النائم أنّ الذين  يذهبون إلى ملكوت الله, هم بلا أصدقاء, لأنّ الذين لا أصدقاء لهم, هم بلا خطايا، لعّلهم مثل الذين قال عنهم السيد المسيح: “إذا كانت قلوبكم نقية مثل هؤلاء الأطفال, ستدخلون ملكوت السموات”.
شعور جميل تلبّسني حين أنا بلا أصدقاء, لم أعد أنتظر أحداً منهم, أخرج إلى الشارع أسير وحدي، وحده ظلي لم يتخل عني, وما غدرني…, لم أعد انتظرهم, ولا أتلهف للقياهم.. وها أنا وحدي, انتظر وحدي الذي بدأت أسعى إلى التصالح  معه.. أنا المنسي في زحام الوقت والأشياء, بلا أصدقاء, لا أصدقاء لي ولن يكون. سعيدٌ جدا لأنني بلا أصدقاء, جرّبوا هذا الشعور, ومن ثم عاتبوني أو اشكروني.