ثقافة

باغبودريان يدخل السيمفونية في عوالم الموسيقا الأندلسية

ساعة مختلفة نثر فيها المايسترو ميساك باغبودريان مع عازفي الفرقة السيمفونية الوطنية السورية الفرح على وجوه الحاضرين في  مسرح الأوبرا بتقديم مناخات جديدة للموسيقا أخذتهم إلى عوالم جمالية للطبيعة والحبّ والحياة ببرنامج مختلف عن المقطوعات العالمية التي يختارها باغبودريان، فاستوحى أمسيته هذه من الموسيقا الإسبانية المتأثرة بروح الموسيقا الشرقية والعربية من حضارة الأندلس، والتي خرجت عن نمطية القوالب والأوزان لتعطي مساحة لحنية للانطباعات الموسيقية، لاسيما في القسم الثاني مع المؤلف مانويل دي فايا.
والأمر اللافت دمج بعض المؤثرات الصوتية ضمن الألحان الموسيقية التي اتصفت بما يشبه الهدوء الموسيقي، ورغم اعتماد باغبودريان على رباعي أورونتيس للغيتار في القسم الأول، ومشاركة البيانو للعازفة جمان عمران في القسم الثاني بقي سحر الوتريات مهيمناً على أجواء الأمسية، وارتبط الفلوت بعلاقات موسيقية مع الغيتار والبيانو بما يشبه همسة موسيقية، مع نغمات الهارب التي تشكّل حضوراً مؤثراً في أغلب أمسيات الفرقة، وضمت الفرقة أيضاً بعض الآلات الثانوية التي تساند الآلات الأساسية وفق ما تتطلبه الجمل اللحنية للمقطوعات مثل آلة كورانجليه وبيكولووتشيلسيتا. وقد تميّزت الأمسية بانضمام المايسترو أندريه معلولي عازف فيولا مع التشكيل الجديد للفرقة الذي يضم العازفين القدامى والجدد، وبدا التواصل القوي بين العازفين وقائد الأوركسترا باغبودريان على مدى الأمسية، واتضح أكثر بالقفلة الموسيقية التي يسود فيها الصمت الموسيقي للانتقال إلى الحركة القادمة. بدت انطباعات الجمهور الإيجابية واضحة لأنهم أحسّوا بقرب هذه الموسيقا من ثقافتهم وعوالمهم رغم أنها غير مطروقة مثل المقطوعات التي تعزفها الفرقة باستمرار مثل”رقصة السيوف، وفالس الربيع”. وقد تفاعل الجمهور أكثر مع مفاجأة الأمسية التي اختارها باغبودريان، إذ اختُتمت الأمسية برقصة إسبانية من “أوبرا الحياة القصيرة” التي باحت بحبّ الحياة.
إيقاع البوليرو
رباعي غيتار أورونتيس”كابي البطرس- ومحمد مير محمود- ونذير سلامة وعروة الشرع” والذي يعنى بتقديم ألوان مختلفة من الموسيقا مثل البلوز والجاز والفلامنكو والباروك، كان المحور الأساسي في القسم الأول من الأمسية وشغل الصف الأول سواء في التواصل الموسيقي مع الفرقة أو في الأداء المنفرد من خلال كونشيرتو الأندلس لأربع آلات غيتار وأوركسترا للمؤلف جواكين رودريغو، عبْر ثلاث حركات: الأولى حركة بإيقاع البولير وهي رقصة تتصف بإيقاعات منخفضة، لتبدأ بمسار لحنين معاً: الأول لرباعي الغيتار والثاني مساحة ساحرة للوتريات إضافة إلى التشيللو ضمن إطار النقر على الوتر، لتنضم في مواضع آلة الترومبيت وآلة الباصون ومن ثم الآلات النحاسية لتكتمل المشهدية الموسيقية بثلاثة مسارات لحنية، تتخللها نغمات الغيتار التي عزفت اللحن الأساسي مجتمعة في مواضع، وفي مواضع أخرى يأخذ الغيتار المنفرد دور البطل الموسيقي، تتبعها الحركة البطيئة والتناغم مع الوتريات والغيتار وصولاً إلى الحركة الثالثة معتدلة السرعة التي انتهت بنغمات الغيتار منفردة التي ترجمت خصوصية موسيقا الأندلس.

صوت البيانو القوي
وفي القسم الثاني من الأمسية كان الحضور للبيانو بمشاركة العازفة جمان عمران مع الفرقة لعزف مقطوعات “ليال في حدائق إسبانية مصنف رقم 49″ للمؤلف الإسباني مانويل دي فايا الذي اشتُهر بالألحان الإسبانية الشعبية والتزامه بقوالبها رغم دراسته الأساليب الموسيقية الفرنسية، من خلال ثلاث مقطوعات أوحت للمتلقي بتخيّل عوالم الحياة والطبيعة الساحرة في قرطبة من خلال نغمات الجمل اللحنية، وكما كتب المؤلف فكان صوت البيانو قوياً فيه خشونة موسيقية تتضح بإيقاع سريع تظهر باللحن الأساسي، ويعزف على جزء حاد من البيانو ويبدو بعيداً عن نغمات البيانو الرومانسية المألوفة، وشغل البيانو في المقطوعات الثلاث أدواراً مختلفة، ليكون البداية حيناً وفاصلاً موسيقياً في أحايين، كما استخدمت في مواضع أخرى أسلوب”الكلاساندو” بالعزف، التقى صوت البيانو مع الوتريات والهارب والفلوت والنحاسيات التي عزفت ألحاناً جميلة بعيدة عن الصيغ اللحنية المتواترة للمتتاليات أو المارش، بدأت “بالحدائق الأولى حدائق تعبق بعطر الياسمين وتحيط بقصر الحمراء”، إلى السكون الموسيقي لتبدأ “الحديقة الثانية غير محددة وبعيدة وتدور فيها رقصة ذات طابع خاص” تدخل فيها ضربات التيمباني القوية والبسيطة مع الإيقاعيات الأخرى، لتنتقل إلى المجموعة الثالثة من الحدائق وتقع في سلسلة جبال قرطبة” وتبدو أكثر حركة وحيوية.

الحياة القصيرة
أما مفاجأة الأمسية التي اختُتمت بها فكانت رقصة إسبانية رقم1من أوبرا”الحياة القصيرة” التي لاتقل جمالاً وحيويةً عن الرقصة الشهيرة لمانويل دي فايا المشهورة”رقصة النار”.
ملده شويكاني