ثقافة

الدولة الوطنية ونهضتها الفكرية

تحت عنوان “الدولة الوطنية وضرورة تعميق الفكر النهضوي التنويري” أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب أمس ندوة فكرية بالتعاون مع جمعية البحوث والدراسات في مقر الفرع تناولت محاور متعددة أحاطت بجوانب الدولة الوطنية ونهضتها وأدار الندوة د. إبراهيم زعرور مقرر جمعية البحوث والدراسات والتي استضافت مجموعة من الباحثين السوريين والعرب عززوا مفهوم الدولة الوطنية والفرق بينها وبين الدولة الدينية لدى الحاضرين.

عوامل النهضة
جاءت في البداية كلمة الدكتور حسين جمعة عن “عوامل النهوض في الدولة الوطنية”، والتي ركز من خلالها على أن هذه الأمة التي تمتلك مشروعاً وطنياٌ قومياً إنسانياً، كانت هدفاً لمشروع مبرمج داخلياً وخارجياً لابد من مواجهته بكل السبل، مؤكداً على أن النهضة بحاجة لأمرين أساسيين الأول هو القيام بمراجعة نقدية وطنية قومية حقيقية لما جرى خلال السنوات الماضية، والثاني هو الرجوع للعقل مضيفاً أننا بحاجة إلى إيجاد مناخ الحرية الوطني الديمقراطي الحقيقي مع الإبداع، وقدم في نهاية حديثه ورقة عمل تشير إلى أن بناء الدولة الوطنية بحاجة للثقة والنقاش والمسؤولية لتشكيل نموذج راقٍ للتعايش في سورية بلد التنوع الثقافي والعرقي.

إصلاح وحداثة
وكان لتونس حضورها في الندوة من خلال د. توفيق المديني الذي حملت محاضرته عنوان “من الإصلاح إلى الحداثة- من خير الدين إلى بورقيبة” ابتدأها بالقول أن الدولة الوطنية لابد أن تحمل  في صيرورتها مشروع قومي حداثي، ومر في حديثه على إنجازات خير الدين باشا الذي كان من دعاة التحديث وتبني مشروع النهضة الأوروبية، مع العلم أن المصلحين العرب تبنوا الحداثة الأوروبية ضمن ازدواجية التوفيق بين الإسلام والحداثة. ولفت إلى أن أهم منجزاته كانت إقرار أول دستور عربي إسلامي في المنطقة العربية، تبنى قيم الحداثة الغربية وفكرة المواطنة والفصل بين السلطات. كما نوه المديني إلى أنه علينا الإقرار أنه في ظل إخفاق الأيديولوجيات الشمولية، استطاع بورقيبة مؤسس الدولة الوطنية الحديثة أن يتفرد ببناء أول دولة مدنية في العالم العربي، وطرح العلمانية بشكل راديكالي لا تتناقض مع الدين.

بناء الشباب
ومن العراق شارك د.فاضل النجادي في محور “الدولة الوطنية وبناء الشباب” والذي أشار فيه إلى أن كل المجتمعات اهتمت ببناء الشباب، وأبدى احترامه للتربية الوطنية الإسلامية وعدم التعويل على الغرب، ولفت إلى أن أول من اهتم بالشباب كان الرسول (ص)، فهم شريحة مهمة أطول عمراً وأكثر نشاطاً وإنتاجاً وقدرة على الدفاع عن الوطن، وهم عماده. ورأى النجادي أن الدولة الوطنية هي كل دولة لها مشروع وطني حضاري أو قومي، وكل مشروع له فلسفته  وأهدافه التي تضعها القيادة السياسية التي تقود المجتمع وتهتم بالشباب، ودعا إلى ضرورة إعادة النظر في منهج تدريب الشباب من قبل مختصين، ووضع مشروع عربي وطني كامل خاص فينا وغير مستورد من الخارج.

وطنية ودينية
كذلك فرّق الباحث فادي برهان في محور “الدولة الوطنية والدولة الدينية” بين الدولتين، فالوطنية ترعى حقوق جميع المواطنين أما الدينية فهي ترعى حقوق الدين وجماعتها الدينية فقط، لافتاً إلى أننا في سورية شعب متنوع من طوائف ومذاهب وأديان مختلفة، وإذا كانت كل مجموعة دينية تريد أن تتبع دولة دينية قد تكون خارج حدود البلاد سيؤدي هذا إلى تقسيم البلاد، وإذا كان كل منا يستجلب فكرة الدولة الدينية التي يحلم بها ويطبقها على الأرض، عندها سيصبح هناك مكان واحد تنطبق عليه أمور متعارضة، وكذلك سيتصرف كل فرد ضمن أجندة خارجية تتبع لمرجعيته الدينية عندها ستحل الدولة الوطنية، مؤكداً أنه من الممكن أن “أطبق تعاليمي الدينية ضمن أرضي ودولتي”، ومشدداً على أنه لا وجود في الحقيقة  لما يسمى دولة دينية والحل هو عبر دولة وطنية يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.

فلسطين والهوية
وقدّم علي بدوان من فلسطين موضوع “الدولة الوطنية وفلسطين” الذي عرّف الدولة الوطنية، بأنها وطن للجميع بما فيه من عدالة ومساواة وقانون عصري يسري على الكل، وتتم فيها عملية الاندماج الوطني وتنتفي الطوائف العابرة للأوطان، في جو من العلمانية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومر بدوان في حديثه على المراحل التاريخية التي عاشتها فلسطين بدءاً من انعزالها وسلخها عن سورية الأم وصولاً إلى قيام دولة فلسطينية لقطع الطريق أمام إقامة دولة صهيوينة وعدم طمس الهوية الفلسطينية، مشيراً إلى أن بعض الحكومات العربية ساعدت في تقسيم ماتبقى من أراضي فلسطين، إلى أن وصلت المراحل أخيراً إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة  للحد من استمرار ضياع الهوية.

مداخلات
واختتمت الندوة ببعض المداخلات، حيث أكد د .سليم بركات أن مشكلة العرب هي تعدد المرجعيات، ودعا الأديب عيد درويش إلى الاهتمام بالاستراتيجيات، بينما رأى د. إبراهيم سعيد أن الدولة الدينية كتجربة عالمية هي تجربة فاشلة، بينما رأى  د.عبدالله الشاهر أن مشروع الدولة الوطنية مشروع إشكالي.

لوردا فوزي