ثقافة

فلتحيا حرية التعبير

لم يعد مجدياً لرعاة الدمار والحروب التي تجوب العالم استدراك الأمر، و”لملمة فضائحهم”، ولم يعد ممكناً لهم البحث عن خط يتيح عودة مشرّفة، للحفاظ على الصورة الإنسانية التي حرص دوماً على تسويق نفسه من خلالها. ولم يعد سراً “أو أنه ليس باكتشاف” القول بأن أشد الحروب فتكاً؛ باتت تتكئ على الإعلام ودوره؛ فتدار بعيداً جداً عن الساحات التقليدية للمعارك، سواء عن طريق الوسائل التي أُنشئت خصيصاً لإدارة الحروب، أو من خلال المحاولات الحثيثة والدائمة لكَمّْ الأفواه، التي نجحت وكشفت للرأي العام العالمي؛ ازدواجية المعايير لدى العالم الغربي وأحادية توجهه المنحاز بشكل واضح في نقله الحقيقة، فكان أول البراهين ما جرى لقناة “آر تي” الروسية مؤخراً، وبطبيعة الحال لن يكون الأخير.
والسؤال البديهي! ترى، هل كانت الحرب عليها لكونها قناة تكفيرية مثلاً، أو أنها قناة عملت على التحريض وبث الكراهية بين الشعوب “أو لعلها نافست قناة الوصال!!” وهل بدت يوماً كقناة فئوية فحرصت على التحدث بلسان جماعة محددة دون سواها؟. أو لعلها مصنفة بين قنوات المقاومة!! هدف العالم الأول. وهو الاحتمال الأكبر؛ ذلك أنها بشكل ما قاومت الخضوع لمطالبهم، فحرصت على نشر الحقيقة دون سواها بعيداً عن المحاباة والانحياز.
في العام الفائت صرّح المخرج الصربي “أمير كوستوريستا” ولم يكن مبالغاً فيما ارتآه، إذ قال أن: “الحرب العالمية الثالثة ستبدأ عندما تقرر وزارة الدفاع الأمريكية قصف مقر “آر تي” ذلك أنها ليست قناة عادية، بل إنها تعدُّ بحق جزءاً أساسياً من الترسانة الروسية، وهي تتابع بلغات عالمية من قبل أكثر من 700 مليون شخص حول العالم، وفي أكثر من 200 بلد، ونجحت بشكل كبير في كسر الصورة النمطية الهوليودية التي تروج “أن عمل أسلحتها وطائراتها يقتصر على نثر الورود على بلدان العالم؛ وإنزال الملائكة فوق رؤوسهم بدلاً من القنابل والعتاد والدعم للمسلحين “تلك الصورة التي تعمل أمريكا على تعميمها، ما جعل القناة مصدر قلق وتهديد مباشر يضع الحلم الأمريكي في دائرة الخطر بينما تعجز أكثر وسائل الإعلام سطوة وانتشاراً على حمايته” فهل تضع نفسها في هذه المواجهة أم تترك لحلفائها المهمة؟!
وحين تخرج الاحتجاجات في قلب عواصم البلدان التي رعت حروباً بحجة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان “ويعلو صوت المتظاهرين: “أن أوقفوا هذا الإرهاب اللعين، واكبحوا هذا اللجام السائب لداعش” ذلك يعني أنه لم يعد خافياً على أحد أن كل محاولات التعتيم والكيل بأكثر من مكيال لم يعد يجدي، بل إن افتعاله للتلاعب بالرأي العام وأخذه بالعاطفة المزيفة بات واضحاً للعيان. وأن التعويل على جهل أو “غباء” نسبة كبيرة من الجمهور الغربي، بات لا ينفع، بل جعلت الأصوات تعلو وتطالب وتعترض على التغطية المنحازة والأحادية الجانب، وقد بدأت تعي أن حكوماتها تدعم وتسلح وتؤجج الحرب؛ بينما تدّعي العمل على محاربة المسلحين وإيقاف الدمار.
والأمر لا يختلف في شيء عما جرى لقنوات فضائية ووسائل إعلامية أعلنت يوماً انحيازها للحق والحقيقة، رغم يقينها أنها بذلك تصبح الهدف الأول الذي ستصوب إليه السهام، من المنار إلى الميادين؛ سبقتها الفضائيات السورية؛ لينتقل التصويب بالعدوى ربما إلى كل من يسير في ذات الطريق والنهج؛ كشفاً للحقائق ونقلاً للصوت والصورة على حقيقتها.
حرب إعلامية “باردة كانت أو ساخنة لا فرق” إن دلّت على شيء فهو الإعلان بالتخلي عن حماية حرية الكلمة وحرية التعبير عن الرأي، وشكلاً صريحاً من أشكال “إسكات الأصوات” التي تحاول الغناء خارج السرب.
وبات من الجلي تساقط الأقنعة منذ وقت طويل، تساقط أقنعة الحريات والديمقراطيات، وأطاحت أصوات الاحتجاجات والمتظاهرين الرافضين الاستمرار بأداء دور المخدوعين إلى الأبد، بكل وسيلة ممكنة لستر عري العالم الفاضح.
بشرى الحكيم