سعيد حناوي: “الرابوص” مشروع عمري
بدأ كممثل في المسرح، وحصل على عدة جوائز منذ أن كان ممثلاً صغيراً في مسرح الشبيبة، وانتهى به المطاف في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 2009، وبعدها تشكلت لديه قناعة بعد أن ابتعد عن المسرح أن للممثل التلفزيوني عدة شروط، بعضها لا يتوفر لديه، لذلك ارتأى أن يترك التمثيل ويتجه للكتابة ويتفرغ لها اليوم، وقد انتهى المخرج إياد نحاس مؤخراً من تصوير نصه “الرابوص” وهو أول مسلسل رعب سوري.. إنه سعيد حناوي الكاتب والمخرج والممثل الذي التقته “البعث” وكان الحوار التالي:
> من المسرح إلى التلفزيون، ومن الإخراج إلى الكتابة، أي أسباب وراء هذا التحول في حياتك الفنية؟
>> حدث هذا التحول في حياتي من المسرح إلى التلفزيون بعد عدة أعمال مسرحية شاركتُ بها ممثلاً ومخرجاً، إذ أنني قدمتُ الكثير للمسرح وأفنيتُ أجمل أيام حياتي على خشبته ولم ألمس تقديراً لهذا الجهد، أما الجانب الآخر فهو مادي بحت، وهذه حقيقة لن أخفيها، فعملي في التلفزيون خلال سنتين كان بمقدار كل السنوات التي عملتُ فيها في المسرح، والحرب التي تُشّن على سورية والحالة النفسية أجبرتني على ترك المسرح لأحصل على شروط معيشة جيدة.
> أي ملامح للمرحلة التي تمر بها اليوم على صعيد الكتابة الدرامية؟
>> أعتقد أنني الآن في مرحلة صعبة وهي مرحلة التأسيس لصنع اسم في عالم الدراما التلفزيونية، وأعتقد أيضاً أنني من خلال السنوات الأربع الماضية وضعتُ قدمي على أولى درجات الوصول لصنع بصمة خاصة بي، وبصراحة أكثر كان الإنجاز سريعاً جداً، والفضل بذلك يعود لموهبتي ومخزوني الذي لا أنكر أبداً أن عملي في المسرح هو من أوصلني لهذه المرحلة التي أنا فيها، وهي مرحلة البداية الصحيحة.
> تحدثتَ في حوار سابق لك عن رسالة تطمح لأن تقدمها عبر الدراما التلفزيونية، فأية رسالة شخصية لك؟ وما هي الرسائل الأهم التي يجب أن تقدمها الدراما السورية اليوم؟.
>> بكل شفافية أقول حتى الآن لم أقدم تلك الرسالة التي أطمح إليها.. أريد أولاً أن أثبت نفسي وجدارتي، وستأتي تلك اللحظة التي أقدم فيها ما أريد عن طريق الدراما، وكنت وما زلتُ مصراً على أن يكون العمل من أجل الفئات الشعبية، وتقديم كل ما يخصهم من أزمات ومشاكل وأن أكون صوتهم ولسان حالهم على كافة الأصعدة، خصوصاً تلك الفئة التي ظُلِمت في الحياة.. أسعى جاهداً لتسليط الضوء على كافة أنواع الظلم والقسوة في الحياة ولن أكون قريباً من النخبة أبداً.
القسوة تولد الكوميديا
> تغريك الكوميديا على ما يبدو، والدليل الأعمال الكوميدية التي تقدمها.. حبذا لو تحدثنا عن سبب ميلك لهذا النوع الفني، في الوقت الذي يبتعد كثيرون عن الكوميديا؟
>> الكوميديا من أصعب أنواع الدراما، ولقد نشأتُ في مسرح شعبي منذ نعومة أظفاري، وعملت في مسارح كثيرة تعتمد على الارتجال ومحاكاة الجمهور، وتأكدت تماما أن الكوميديا فعلياً هي مخاطبة العقل وهي تؤثر أكثر في المتلقي، ومن خلالها أستطيع إيصال أكبر قدر ممكن من مفاهيم وأفكار ربما لا يستطيع أي نوع من الدراما إيصالها، وخصوصاً لدى الفئات الشعبية العادية، وكلامي هذا لا يعني أنني أقلل من قيمتهم لكنني عملتُ جاهداً على أن أقدم أغلب ما يدور في رأسي للأميّ قبل المتعلم، لذلك فالكوميديا هي أقصر طريق لذلك رغم صعوبتها، فبين الكوميديا والابتذال شعرة صغيرة، وهذا ما أحاول أن أتلافاه دائماً.
> وماذا عن أهم المخاطر التي قد يقع بها اليوم من يكتبون الكوميديا؟.
>> لعل أكثر هذه المخاطر هو تصوير الشخصيات الموجودة في الواقع على أنها شخصيات مهرجة، تقدم أشياء غير منطقية، وكله من أجل الإضحاك أو استخدام عاهات جسدية أحياناً تؤذي عين المتابع، ولهذا السبب فإن أغلب الأعمال الكوميدية بعيدة عن الناس، إلا تلك الأعمال التي تركتْ بصمة خاصة منذ نشأة التلفزيون حتى يومنا هذا، لذلك نجد أن أغلب المختصين في كتابة الكوميديا ينجحون في ذلك، وهناك أمثلة كثيرة في مجتمعاتنا وهم أساتذة كبار أتمنى أن أصل لمكانتهم يوماً ما.
> أية خصوصية يجب أن يتمتع بها النص الكوميدي؟ وما تفسيرك لتعثّر الكوميديا السورية في السنوات الأخيرة؟ وما السبيل للارتقاء بالأعمال الكوميدية؟.
>> أعتقد أن النص الكوميدي المحترف لا يكفي، إذ يجب أن يكون هناك مخرج يعرف كيف يقرأ هذا النص، وبالدرجة الأولى يجب أن يكون متمكناً من قيادة الممثل الكوميدي الذي يؤدي الشخصية، كي لا ينجرف نحو الابتذال أو تسرقه الشخصية فيفقد السيطرة عليها، وكي نرتقي بأعمالنا الكوميدية علينا أولاً أن نعمل على أن تكون نابعة من الشعب ذاته من خلال قصصه ومجريات حياته، وأرى أن القسوة في الحياة تولِّد الكوميديا.. ربما هي معادلة صعبة، لكن من يستطيع فهمها وحلها يستطيع أن يقدم كوميديا راقية.
لا أحب الشراكة
> هل تميل للشراكة الكتابية؟ وماذا عن خصوصية تجربتك مع الفنانة أمل عرفة؟ ومسلسلكما الجديد “سايكو”؟.
>> صراحة أنا لا أحب الشراكة في كتابة أي عمل كوميدي أو غير ذلك، ولكن عندما سنحت لي الفرصة أن أشارك نجمة لامعة ولها اسمها الكبير وتجربتها، أسرعتُ مباشرة لأنها فرصة لا تعوَّض، وقد أردتُ من خلال هذه الشراكة أن أثبت قدرتي على كتابة الكوميديا وقراءة شخصيات قديمة أحبها الناس، وخصوصا أنها شخصيات قريبة من الناس والشارع، أقصد بذلك شخصية دنيا أسعد سعيد.. لقد رأيتُ هذه الشخصية تمثل كل شرائح المجتمع، وخصوصاً تلك التي تلقت القسوة والظلم، وكانت هذه التجربة من أهم تجارب حياتي.
> ولماذا اعتبرتَ مسلسل “الرابوص” أهم مغامرة كتابية بالنسبة لك؟.
>> تجربتي في مسلسل “الرابوص” تجربة غريبة وفريدة من نوعها، لأنني قررتُ حين بدأتُ الكتابة أنني لن ولا أريد أن أكون شبيهاً بغيري، وأريد أن أتفرد بكتابة عمل يحدِث جدلاً بين الناس، و”الرابوص” هو العمل الأول لي كعمل متكامل من البداية حتى النهاية، وقد وضعتُ فيه كل ما تلقيتُه من خبرة وعلوم وأفرغتُ فيه كل مخزوني، وتحدثت فيه –تقريباً- عن كل مشاكل الحياة وعن القسوة والظلم والغدر على كافة الأصعدة، واشتغالي على النص مع المخرج إياد نحاس أضاف للعمل بريقاً آخر، إذ أنه مخرج يعرف تماماً أن الخيار الأول في كل شيء أن يقدم ما هو جديد، وهذا أيضاً ما أصبو إليه، فاتفقنا فكرياً في أننا لا نريد أن نقدم شيئاً عادياً على الإطلاق، لذلك أعتبر “الرابوص” مشروع عمري لأنني متأكد أنه إن حصل هذا العمل على النجاح الذي أتوق إليه سيكون نقطة تحول كبيرة في حياتي المهنية.
> أي جديد في جعبتك الكتابية؟ وهل من عودة للمسرح؟.
>> لديّ عدة مشاريع جديدة أقوم بتحضيرها، لكنني الآن في فترة استراحة طويلة بعض الشيء بعد الانتهاء من “الرابوص” إذ أنه أنهكني وأتعبني كثيراً، لكنني -على الأغلب- سأتجه لعمل كوميدي أضع خطوطه الأساسية الآن.. أتوق للعمل في المسرح وقد حضّرتُ نصاً جديداً وأنتظر الفرصة الملائمة لتقديمه لمديرية المسارح والموسيقا، إذ أنني الآن متعطش جداً لتقديم عرض مسرحي بعد هذا الانقطاع.
> لك تجربة في مجال الإخراج السينمائي، حدثنا عنها.. وهل هو رغبة طارئة لديك؟.
>> أعشق السينما، وبعد خضوعي لعدة دورات في الإخراج السينمائي والتلفزيوني قدمتُ تجربة يتيمة ألا وهي فيلم “فحم أبيض”، ويؤسفني أن أقول أنه ليس لدينا دور عرض تهتم بالأفلام السينمائية القصيرة إلا في مواسم خاصة أو في المهرجانات، وأنا ضد الأفلام التي تقدم للنخبة، لذلك أنا حالياً مبتعد كلياً عن التفكير بالسينما سواء على صعيد الكتابة أو الإخراج أو التمثيل.
أمينة عباس