ثقافة

بعد “زيتون” و”ضيف الدب” غسان الدبس: أستعد لـ”ليلة التكريم” وعمل شكسبيري للأطفال

بعد أن أنهى قبل أشهر مشاركته في مسرحية “زيتون” يستعد الفنان غسان الدبس للعمل مع المخرجة الشابة مجدولين حبيب في أول تجاربها الإخراجية ضمن مشروع مِنَح مسرح الشباب الذي أطلقته مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة نهاية العام الماضي، ويؤكد الدبس أنه سعيد بالتعاون مع حبيب كمخرجة ما زالت تخطو خطواتها الأولى، مؤكداً أن عمله مع مخرج جديد لا يعتبره مغامرة، وهو يهدف إلى دعم تجربة مِنَح مسرح الشباب، منوهاً إلى أنه يحترم الهاوي المجتهد الذي يعمل على نفسه والباحث بشكل دائم، مؤكداً أن اجتهاد الشباب في أعمالهم المسرحية أمر يدعو للتفاؤل، إلا أن تجاربهم برأيه ما زالت غير مكتملة وهي بحاجة إلى وقت ومعطيات عمل مختلفة عن المعطيات الحالية، والمطلوب الاستمرار في دعمهم وتشجيعهم.. من هنا تأتي أهمية مشروع منح مسرح الشباب.

ليلة التكريم

وينوِّه الدبس إلى أن “ليلة التكريم” التي ستخرجها حبيب ليست المونودراما الأولى له على صعيد التمثيل، إلا أنه يعدها التجربة الأولى فعلياً بعد غياب سنوات طويلة عن تقديمه لهذا النوع من المسرح الصعب، والذي يعتمد على وجود ممثل واحد على خشبة المسرح يقع على عاتقه كل أعباء العمل، ويكون مسؤولاً مباشراً عن نجاحه أو فشله أمام الجمهور الذي هو الأساس، فدونه تسقط معادلة المسرح، موضحاً أن المطلوب من ممثل المونودراما أن يقاتل من أجل تقديم عمل مسرحي بامتياز عبر الإيمان بما يقوم به إيماناً مطلقاً، فحينما يفعل ذلك لن يقدم إلا عملاً ناجحاً وبشكل فني عالي المستوى، إلى جانب سعي الممثل في المونودراما لدراسة الشخصية التي سيقدمها بكل تفاصيلها وبناء علاقة مهنية عالية المستوى مع المخرج العين المراقبة والمصحِّحة لأفعاله وتجاوزاته بهدف تقديم شخصية حية ولها أبعادها، مشيراً إلى أنه عندما قرأ مونودراما “ليلة التكريم” لكاتبها جوان جان أعجبته وحرَّضته على البحث لأهمية ما تقوم بطرحه.

زيتون

وعن رأيه بالعروض المسرحية التي تناولت الأزمة ومنها ما شارك فيها مؤخراً يبيّن الدبس أن تقييم هذه الأعمال متروك للجمهور، ليكون السؤال الأهم بالنسبة له: “إلى أية درجة نحن قادرون على تقديم أعمال تحاكي هذه الأزمة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؟” مشيراً إلى أن الفن بجماليته يتناول مواضيع طازجة وآنية.. من هنا تأتي أهمية هذه الأعمال التي تناولت الحرب على سورية ومنها “زيتون” التي يراها عملاً مسرحياً جميلاً، مؤكداً في الوقت ذاته على أن الفن مرتبط عادةً بمزاج فرديّ بامتياز، وهذا ما يبرر تفاوت الآراء حول عمل من الأعمال، موجهاً التحية للمخرج مأمون الخطيب الذي تناول ثلاثة موضوعات عن الأزمة من خلال ثلاثة عروض هي “نبض-هدنة-زيتون” التي قدم فيها وجبات فنية طازجة، منوهاً إلى أن مشاركته في “زيتون” جاءت بعد عدة أعمال قدمها الدبس في أوقات متفاوتة، لتكون تتمة لجملة من التجارب التي قدمها من خلال شخصية هي من ضمن شخصيات الحرب المفروضة التي أفرزت معطيات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية جديدة، فقدم الدبس شخصية انتهازية بامتياز تبناها بكل حيثياتها لتكون مكروهة لدى الجمهور، معتزاً بتكرار تعاونه مع الخطيب في أكثر من عمل، موضحاً أن آلية التعامل مع مخرج أكاديمي مختلفة عن غيره لأن ذلك يعطي حيّزاً كبيراً للممثل ليفرد أوراقه كاملة ضمن علاقة صحيحة تفرضها الحالة الأكاديمية للمخرج، أما سبب تكرار وجوده في أعمال الخطيب فيؤكد الدبس وانطلاقاً من اختيار الخطيب لشخصياته بناءً على معطيات النص أن الخطيب أخبره أنه كان يراه في هذه الشخصية، وهذا يعني أن الشخصية هي التي استحضرته للمشاركة في هذا العمل، دون أن ينكر أن تكرار التجربة مع نفس المخرج يضع الممثل في تحدٍّ كبير بحثاً عن التجدد الذي يطلبه المخرج والجمهور.

ضيف الدب

وقد تعددت الأعمال المسرحية التي قدمها الدبس للأطفال، وكان آخرها “ضيف الدب” التي عُرِضَت خلال فترة العيد، ويُعد هذا العمل التجربة الطفلية الثانية له على صعيد الإخراج، حيث سبق وأن أخرج مسرحية “السنونو السعيد” المأخوذة عن القصة المعروفة “الأمير السعيد” لأوسكار وايلد، ويشير الدبس إلى مشاركة مجموعة من الأطفال في هذا العمل إلى جانب مجموعة من الممثلين الكبار الذين نجحوا بالتعاون معه في تقديم لعبة مسرحية بسيطة  تحكي عن الدب والثعلب المكار عن نص لبيان الصفدي، منوهاً إلى أن مسرح الطفل يبدأ من النص الجيد دون أن يخفي أنه تصَرَّف بالنص من خلال تبسيط الحكاية ولغتها وذلك بالتعاون مع الصفدي، أما على الصعيد الفني فالمطلوب ممن يتوجه إلى مسرح الطفل أن يقدم وجبة فنية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذا المسرح والمراحل التي يمر بها الطفل عادة.. من هنا كان الدبس في مسرحية “ضيف الدب” وأعماله الأخرى مصرّاً على عدم إزعاج الطفل ببلورة رؤيته والعمل على تنشيط ذهنه وترك مساحة له للتفكير وطرح تساؤلات تتناسب وعمره، ويعلن الدبس عن أمنيته على صعيد مسرح الطفل بتقديم عمل للأطفال عن نصوص لشكسبير، ويرى أن ذلك أمر وارد وممكن بعد اختيار نصوص قابلة لتحويلها وتقديمها كأعمال مسرحية لجمهور الأطفال، مبيناً أن ذلك يمكن أن يعمَّم على أي نص عالمي مخصص للأطفال واليافعين، ولكن بعد إجراء دراسة دقيقة للنصوص العالمية والعمل على تأهيلها بما يتناسب مع حياتنا وبيئتنا لأن إرثنا الثقافي يختلف.. من هنا حين يفكر الدبس بتقديم مسرح طفل من خلال شكسبير بمعطيات الطفل السوري، وهذا برأيه أمر ليس سهلاً، ولكن لإيمانه بأن طفلنا يستحق الكثير ولا مفرّ من المحاولة لبثِّ ما هو إيجابي في حياته بهدف مساعدته على إيجاد الحلول بدلاً من تقديمها له بشكل جاهز، ويبيّن الدبس أن إنجاز هكذا مشروع يحتاج إلى وقت لاختيار النصوص المناسبة وإخضاعها لعملية إعداد لترى النور فيما بعد على يده كمخرج.
ولا يعمل الدبس في مسرح الأطفال بحكم الضرورة وإنما بحكم حبه وعشقه للمسرح بشكل عام ولمسرح الطفل بشكل خاص، ولذلك يستغرب ابتعاد الكثير من الممثلين المحترفين عنه لمجرد أنه يتوجه للطفل لقناعتهم بأنه مسرح من الدرجة الثانية، في حين أن ذلك غير صحيح، وهو في حقيقة الأمر يحتل المرتبة الأولى لصعوبة العمل فيه باعتبار أن كل منمنمة فيه لها خصوصيتها، ويحتاج في كل لحظة لذهن متّقد وحاضر لأن الطفل كائن (مخيف) وشديد العبقرية، ولأن أي فعل غير مدروس فيه يُعد خطأ كبيراً قد يؤثر على تفكيره وسلوكياته، موضحاً أن الأعمال المسرحية الموجهة للطفل والتي لامسته بطريقة صحيحة عبارة عن محاولات قام بها المشتغلون فيها انطلاقاً من إيمانهم بضرورة احترام هذا الطفل، مشيراً إلى أن تقديم مسرح طفل بالشكل اللائق يحتاج بالدرجة الأولى لنص طفلي قوي ليشكل البنية الأساسية المتينة لأي عمل مسرحي، مع فهم ودراية من يشتغلون فيه بآلية التعامل مع الطفل كطفل، وهذا برأيه يعتمد بالدرجة الأولى على وجود علاقة صحيحة بين من يعمل في هذا المسرح وبين الأطفال، لأن غياب الفهم الحقيقي لهذه العلاقة لا يقدم عملاً مسرحياً موجهاً للطفل يرضى عنه، ولذلك وحرصاً على مخاطبة الطفل بالشكل الصحيح يستعين الدبس بمرجعية في علم النفس والاجتماع في أعماله حتى لا يقع في مطب الأخطاء الكثيرة التي يتم الوقوع فيها في بعض الأحيان، ليعرف –ككبير- أن يقدم عملاً مسرحياً صحيحاً للأطفال عبر محاكاتهم بلسانهم وعقولهم وبما يحبون ويكرهون.
ولأن النجاح في مخاطبة الطفل عبر الممثل ليس أمراً بسيطاً وروتينياً يؤكد الدبس أن أي ممثل بإمكانياته وطاقاته قادر بما يمتلك من تكنيك على العمل في هذا المسرح، إلا أن التواصل لا يمكن أن يحققه إلا البعض منهم، وهي ميزة قد نجدها عند البعض وقد لا تكون عند البعض الآخر لأن النجاح في تحقيق التواصل مع الطفل يعود للتركيبة الشخصية للممثل وعلاقتها بالطفولة والقدرة على إيصال المعلومة عبر اللعب الذي هو أهم وأخطر ما في مسرح الطفل لأنه لا يكون عبثياً ولا يتحقق إلا بعد أن يكون الممثل قد أبحر بكل أبعاد المسرحية التي سيقوم بتقديمها.

إشارة حمرا

ويعتز الدبس بمشاركته ضمن أفلام سينما الشباب من خلال فيلم “إشارة حمرا” للمخرج الشاب سمير طحان، والجميل في هذه المشاركة برأيه وجوده كممثل مع مجموعة من الأطفال، وهذا ما شجعه على المشاركة فيه، ويسعده أن علاقته معهم توطدت حتى بعد الفيلم، الذي تناول حالة من الحالات التي يعاني منها أطفالنا في ظل الحرب، وبالعموم يرى الدبس أن العمل في السينما يبقى حلماً لكل ممثل.
ويعترف الفنان الدبس أن خطواته الأولى في الدراما التلفزيونية بعد تخرجه في نهاية الثمانينيات كانت متعثرة بفضل المسؤولين عنها الذين كان لهم دور في ابتعاده وسفره خارج القطر، لذلك كانت كل تجاربه التلفزيونية متواضعة باستثناء أسفه على عمل واحد هام كان من المفترض أن يشارك فيه، إلا أن ظرفاً قاهراً منعه من ذلك، متمنياً أن تأتيه فرص حقيقية في هذا المجال وإن كانت قد تأخرت كثيراً لقناعته أن الدراما التلفزيونية تحقق الانتشار والشهرة للفنان، وتقدم له مردوداً مادياً يساعد على الاستمرار في العمل في المسرح.
أمينة عباس