ثقافة

أمسية شعرية على ضوء “القداحات” في ثقافي كفرسوسة

للمرة الأولى ربما، تكون لانقطاع التيار الكهربائي فائدة حقيقية في خلق جو من الألفة، والتفاعل المباشر مع الجمهور، وذلك في الأمسية الشعرية التي أقيمت في المركز الثقافي العربي في كفرسوسة، فغياب الكهرباء، والعدد القليل للحضور كان سبباً موجباً لإقامة الأمسية في واحدة من صالات المركز، لا في مسرحه كما جرت العادة، والأمسية الشعرية التي توصف عادة بالبرود، كما هي حال هذه الأماسي، جاءت أكثر ديناميكية وتفاعلاً بين الحضور “السميع”، وكل من الشعراء: “بسام مخلوف- ماهر محمد محمد- طوني حجل” الذين قدموا، كلاً حسب رؤيته الشعرية، وأسلوبه في الإلقاء حالة تواصل جميلة وعفوية، تناقلها الحضور، وشعر بها حتى الأطفال الذين كان وجودهم واحداً من أهم أسباب نجاح هذه الأمسية، خصوصاً عندما قدمت الطفلة “شام مخلوف” قطعة شعرية لوالدها بصوتها.
الأمسية الشعرية التي قدمتها الإعلامية إلهام سلطان تنوعت مقاماتها بين عدة مواضيع كلاسيكية تناولتها قصائد الشعراء: الوطن، والغزل، والقضية العربية- الفلسطينية، وبالتأكيد سوف يكون لواقع الحال السوري والعربي حضوره الصادق في قصائد الشعراء الذين كانوا على انسجام تام بما قدموه، بغض النظر عن المستوى الشعري في كل عام.
الأمسية التي افتتحها الشاعر “بسام مخلوف” بعفوية وحميمية، بما تبقى في النور الواصل من الشمس من بعض الرمق الملقى على شكل ظلال في القاعة، أجلت العتمة التي سببها انقطاع التيار الكهربائي، راح يخبر بحادثة كل قصيدة ألقاها، فكان لوجدانه الإنساني العالي حضوره، سواء في قصيدته، أو حتى في حديثه المباشر عن الحالات الشعرية التي تثير قريحته الحسية، وتحرك في دواخله توقه إلى مجد الشعراء، قدم مجموعة من قصائده التي حملت إيحاء شعرياً عالياً في صورها الشعرية، وتنوعاً في المواضيع والمعالجة، لتأتي قصائد “مخلوف” التي صاغها بالمحكية وكأنها حكايات لها نظام القص الخاص بها، من حكاية الجندي الأسير، إلى حكاية العاشقة المنتظرة، وغيرها من المواضيع التي كان لها أثرها الحاسم في تشكّل وجدانه، وذائقته الشعرية.
الشاعر الفلسطيني، وابن “الخليل” “ماهر محمد محمد” الذي كانت له صولة فريدة في الإلقاء، متكئاً على القاعدة الشعرية الشهيرة “الغناء مقود الشعر”، استطاع أن يجعل الحضور ينتبه لأدنى “نأمة” صدرت عنه، وهو ينوّع مواضيع قصائده بين الوطن والأم وسورية، معتمداً على رهافته الحسية في كسب إصغاء الحضور، وتعاطفهم مع ما أدلى به من شعر أعاد للخاطر حكاية “سوق عكاظ الشعري”.
أما الشاعر طوني حجل، وهو المهندس المعماري والدمشقي المحب والغارق في وجد ما يعتريه ويجود به، فكان لحضوره أيضاً وجوده القوي والواثق والعاطفي.
الشعراء الثلاثة الذين لم يعنهم قطع الكهرباء، واضطروا أحياناً إلى الاستعاضة عنها بأضواء “القداحات”، طالبوا بأن تتوجه العناية إلى كل صاحب موهبة شعرية حقيقية، والعمل على تكريسها، وتكريس كل صوت شعري وطني، خصوصاً في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، معتبرين أن حرباً ثقافية يواجهها البلد تهدف إلى قلب المفاهيم، وإبطال الحق، وتحقيق الباطل، وهذا ما لم يسكتوا عنه يوماً ولو بقوا يصرخون شعراً مدى الحياة.
تمّام علي بركات