ثقافة

قراءة في كتاب “الحرب القذرة على سورية”

يعد كتاب “الحرب القذرة على سورية” للبروفسور في الاقتصاد من جامعة سيدني الاسترالية تيم أندرسون، محاولة لتصحيح النشاز في السيمفونية الإعلامية الغربية التي شوّهت صورة الحرب في سورية وعليها، فهذا الكتاب عبارة عن تصديق، بالوثائق، لما تمر به الدولة الوطنية السورية من حرب قذرة عليها تمس كيانها الاجتماعي، والاقتصادي، وقرارها السياسي المستقل عن الإدارة الأمريكية، وأتباعها، وعملائها في الفضاء العربي، والدولي بشكل عام.
صدر هذا الكتاب عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) بترجمة ناهد تاج هاشم التي تبنت المنهج الاستدلالي في عملية الترجمة بهدف الابتعاد عن مقولة “الحرف يقتل”، ولتجنب اللغط والتضارب في السياق والمفاهيم.
يتوزع هذا الكتاب في ثلاثة عشر فصلاً ومقدمة، يتحدث فيه الكاتب أولاً عن التحضير الغربي- الأمريكي لبلورة شرق أوسط جديد يتناسب مع الطموحات التوسعية لامبراطورية العم سام، بالتزامن مع ضرب كل ما يمس بالفكر المقاوم بنيوياً ومادياً.
أندرسون حاول دحض الخطاب الإعلامي الغربي، ففي الفصل المعنون: “البراميل المتفجرة.. المصادرة المنحازة والحرب الدعائية، يقول البروفسور بجرأة وصراحة: “تقتضي الحرب الدعائية عادة نكران أي منطق أو مبدأ يمكن أن يُعمل بهما في سيرورة الحياة العادية، وتكشف الحرب القذرة على سورية هذا الأمر على نحو كبير، إذ يسري في الأخبار الغربية عن سورية سيل مطّرد من قصص الفظاعات مثل: “البراميل المتفجرة”، والأسلحة الكيميائية، وعمليات “القتل بدم بارد”، ووقوع ضحايا من الأطفال الصغار، حيث تشترك هذه القصص جميعها في أمرين: أولاً: أنها تلفيق يهدف إلى تصوير كل من رئيس سورية وجيشها في أفق ارتكاب جرائم حرب، والأمر الثاني: أن هذه القصص كافة حين ندقق فيها يتبيّن أنها تصدر من جهات منحازة، وأننا خدعنا بها (كرأي عام غربي) (ص48).
من جهة أخرى، انتقد الكاتب مظاهر الفساد في سورية، ولكن في الوقت نفسه يعترف بأن ما يسمى “الثورة السورية” منذ بدايتها ما هي إلا تمرد إسلاموي آخر بطابع تكفيري شمولي يراد منه القضاء على العلمانية، والتنوع الإثني والديني السوري، ونشر المنظومة الأيديولوجية الوهابية المدعومة من شبكات البترودولار.
نوّه المؤلف أيضاً بأن مفاهيم الديمقراطية والحرية ما هي إلا أحصنة طروادة للدخول في قلب الدول الوطنية المستقلة سيادياً، وتحدث في باب “فبركات الكيماوي: حادثة الغوطة الشرقية” عن الأكاذيب التي روّجت لها الدول الداعمة للجماعات الإرهابية لضرب سمعة الجيش العربي السوري، وعلاوة على ذلك يشرح عدم فعالية الأسلحة الكيماوية في حرب المدن: “في حالة الجيش العربي السوري، كانت قدرة أسلحته التقليدية تفوق بكثير الأسلحة الكيماوية البدائية، وكان تدرّبه على حرب المدن، يستهدف استئصال شأفة الجماعات الإرهابية، إذ ينبغي عليه مطاردة المسلحين من مبنى إلى آخر، لقد احتفظت سورية بمخزون الأسلحة الكيماوية كسلاح رادع لإسرائيل التي تمتلك الأسلحة النووية، ولكن لم يكن هناك ما يثبت أن سورية استخدمت هذا السلاح في العقود الأخيرة” (ص225).. إن تلفيق تهمة استخدام السلاح الكيماوي من قبل الدولة الوطنية السورية ما هو إذاً إلا وسيلة لتجريدها من استراتيجية “توازن الرعب” مع الكيان الصهيوني.
يدرس الكاتب أيضاً كيفية استخدام الغرب للعقوبات الاقتصادية بهدف تطويق الدولة السورية وشعبها، ويقوم بالبرهنة على ارتباط واشنطن بالإرهاب، خصوصاً بالشق الداعشي منه، فالغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لم يتخل عن العقلية الاستعمارية التي حكمته لعدة قرون (باب التدخل الغربي والعقلية الاستعمارية)، وهو مستعد لتسخير جميع الوسائل المتاحة من أجل نهب ما تبقى من ثروات العالم، وخرق كل دولة تجهر بسيادتها الوطنية على جميع الأصعدة.
في نهاية الأمر، يمكن للقارئ السوري أن يرى بأن طروحات الكتاب بديهية ومعروفة، لكن يجب ألا ننسى بأن هذا الكتاب موجّه بالمحصلة للقارئ الغربي من أجل إزالة الضباب الذي أعماه عن رؤية الحقيقة، هذا الضباب الذي ولّدته الآلة الإعلامية الممولة من البترودولار.
ففي باب “نحو شرق أوسط مستقل”، يبدي أندرسون تفاؤله بانتصار سورية على برابرة الإرهاب وداعميهم، ما هي دعائم هذا الانتصار؟ يجيب أندرسون قائلاً: “سيستند هذا الانتصار السوري إلى الدعم الشعبي، القوي والمتماسك الذي يحظى به الجيش الوطني في سورية في تصديه للهجمات الطائفية الشريرة، وكذلك إلى الدعم القوي من حلفاء سورية الرئيسيين”.
فريد جنبرت