ثقافة

شهيد الفكر والكلمة تأبين ناهض حتر في مكتبة الأسد

دمشق- ميس خليل
“أخجل لأنني لستُ شهيداً، وأخجل لأن بندقيّتي فقط من الكلمات في خندق دمشق، ولأن حبري يسيل، لا دمي، في صدّ الحملة البربريّة على الشام”، بهذه الكلمات دافع ناهض حتر عن دمشق ،وهو الذي لم يفرّق في حبه بين سورية والأردن مسقط رأسه، واعتبر دائماً أنها جداره الذي يستند إليه، فإن اهتز حجرٌ فيها جافته الطمأنينة، ولأنه أحب قلب العروبة النابض فهي اليوم تكرّمه بعد مرور سبعة وأربعين يوماً على رحيله، حيث أقام اتحاد الكتاب العرب، بالأمس، حفل تأبين له في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق.
وافتتح الحفل التأبيني بقصيدة من تأليف الشهيد حتر عرضت على شاشة الإسقاط بصوته، وتشير إلى القهر الذي كان بداخله جرّاء الأوضاع التي تمر بها المنطقة، وقال فيها: “الحرب هي الحرب.. وكنت أقاتل.. خمساً وثلاثين مرتاح القلب وكنت أقاتل.. وكثيراً ما كنت أتلفت حولي فأراني وحدي.. وألوذ بصخرة نفسي منتظراً أن يأتي مددي.. أتراني اليوم ضجرت.. أتراني اليوم تعبت أو للدقة أحسب أني مت”.
وأشار رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور نضال الصالح إلا أن شهيد الكلمة الحرة ناهض حتر كان واضح المواقف بفكره المستنير ونظرته الثاقبة وعقله المنفتح، وأنه لم يُخدع بربيع عربي مزعوم، واتخذ من الإنسان قضية له، آمن بها وناضل من أجلها وبذل الدم في سبيلها، وأضاف: “سبعة وأربعون يوماً على غيابك ناهض حتر وأنت العصي على إرادة الظلام وكأنك لم تتوسّد سرير الأبدية وكأن الرصاصات الثلاث الظلماء التي أرادت أن توقف خفق قلبك لم تستطع اختراق روحك الباقية بيننا روح المقاومة والفكر والانتماء والحرية”.
من جانبه بيّن أبو أحمد فؤاد، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن المناضل التقدّمي حتر ذهب ضحية مواقفه السياسية والاجتماعية وآرائه في مناهضة الأفكار التكفيرية والوهابية، ومن قتله قصد اغتيال حرية الرأي، منوّهاً إلى أنه من الضروري على كافة النخب الثقافية والفكرية والعروبية أن تواجه هذه الأفكار الظلامية وتكون جبهة فكرية ثقافية واسعة الطيف لتكون سداً منيعاً في وجه كل المحاولات الهادفة إلى بث الفتنة والمذهبية داخل المجتمعات العربية.
من جهته قال شقيق الشهيد خالد حتر: “جئنا إلى دمشق لأنها القلعة لأحلام كل حر والسطر الأخير في مجلد كل وطن ولأنها قصة الصمود الأسطوري والصبر على ظلم العدو، جئنا إليها بناهض شهيداً فهو بلقائها اليوم مبتسماً لأنه لم يعد يخجل بعد أن سالت دماؤه حمراء وكانت قبل ذلك تسيل حبراً في حب سورية والدفاع عنها”.
كما ألقى الحاج حسن عز الدين كلمة المقاومة اللبنانية، وبيّن فيها أن المقاومة اللبنانية تعتزّ بشهدائها وبالشهيد ناهض حتر لأنه شهيد الفكر المقاوم، مؤكداً أن الشهيد كان يعتبر أن المشرق العربي، والذي قلبه سورية، هو أرض ومهد الحضارات والثقافة والأدب، وكان يرى أن الخطر يتجسّد بالكيان المزروع في خاصرتنا ليكون أداة لقوى الاستعمار والهيمنة من جهة، ومن جهة أخرى في الجماعات التكفيرية والفكر التكفيري الإقصائي والإلغائي المتطرّف، وأضاف: أحب ناهض سورية التي لم تخضع لا للترهيب ولا للترغيب فوقفت شامخة كما كان ناهض شامخاً في دفاعه عنها.
وأكد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم في كلمة أصدقاء الشهيد بأن الشهيد كان في مقدمة المفكرين والكتاب الذين أضاؤوا لأجيال متعددة الطريق إلى الكرامة فكتاباته كانت مترعة بالحجة والجرأة والرؤيا المستقبلية.
وشكر سعود قبيلات رئيس رابطة الكتاب الأردنيين الأسبق في ختام حفل التأبين سورية على كل ما قدّمته للشهيد حتر، مؤكداً أن التأبين دليل آخر على أن سورية لا تتخلى عن أصدقائها وأبنائها الأوفياء، وإنها ترد على الوفاء بمثله وبما هو أحسن منه.
حضر حفل التأبين رئيس اتحاد الصحفيين موسى عبد النور وعدد من الشخصيات السياسية والإعلامية وحشد من المهتمين.
وكان الكاتب والصحفي الأردني ناهض حتر استشهد في الـ 25 من أيلول الفائت إثر إطلاق النار عليه أمام قصر العدل وسط العاصمة الأردنية عمان.