ثقافة

“نور شام”.. الطفيلي يحارب ثقافة الموت

هي ليست سيرة ذاتية لعاشقين، بل ذاكرة مدينة أو ندبة على وجه الوطن، هي صورة عن حياة سكان هذا الوطن، لذا ربما يوماً ما تكون وثيقة غير رسمية للتاريخ، بما تحمل الوثائق غير الرسمية من صدق في كتابته، فقد وجدت أن التاريخ يستعمل في كتابة نفسه على وجه المدن ممحاة وقلم، الممحاة هي الشهداء والقلم هم العشاق، قبيح هو ذاك الوطن الذي لم يملك شهداء، وجاهل ذاك الوطن الذي لا يملك دفاتر عشق كفاية.
رواية “نور شام” “هي تحنيط أدبي لقصة عشاق وشهداء الوطن والحب” بهذه الكلمات المنتقاة قدّم هيثم الطفيلي روايته البكر، وأخذ يعدو على بساط الشعر حيناً والمونولوج حيناً آخر، منتظراً ورد حواء وتفهم آدم ليصدر الحب والوطن القرار الأخير.

قصة وطن
يتعامل الكاتب في روايته مع امرأة تملك كل خرافات حواء ومزاجيتها، فيبدو عاجزاً عن فهمها وتحديد ماهيتها أحياناً، ومتوحداً معها حيناً آخر، لكن الحقيقة الأكيدة أن عشقه لحواء يسيطر على كل تفاصيل حكايته. حواء التي ترتدي في رواية “نور شام” اسم “ألمى” مختصرة كل نساء الكون في عيون “سامي”، فهل هي قصة حب فقط ؟ يقول الطفيلي لـ “البعث”: قبل أن أكتبها كانت تخص حكاية عاشقين فحسب، لكن لأن قدر العشاق في شرقنا أن يأكلوا رغيف حبهم مجبولاً بالسياسة فقد أصبحت الرواية من حيث لا أدري تخص وطناً بأسره، لأن ثرثرة فناجين القهوة ورسائل العشاق هي  سيرة وطن أصدق من كل نشرات الأخبار” ويتابع القول: “عندما كانت الرواية لعاشقين يمثلان ذاكرة مدينة، وكان كل عاشقين برأيي آلهة في قصتهما، فقد تعمدت عدم التركيز على الحدث الدرامي أو الشخصي لوصف المشترك في هذه الآلهة العاشقة”.

فلسفة وجدانية
الحالة الوجدانية، المونولوج، الشعر، العناوين، الفواصل والنقاط، هي السمة البارزة في هذه الرواية التي تأخذنا إلى عوالم مختلفة من ذاكرة مدينة دمشق، التي وصفها الطفيلي بأنها تخاف علينا أكثر من خوفنا عليها، وأنها خلقت إثر حادث عشق للكون مع الجمال، فهي ليست هوية بل انتماء حتى أنه استعان بأحد أسمائها “شام” لتوصيف العشق، فهو لا يرى فيها مجرد ظرف للمكان، بل ظرف للعشق أيضا، تاركاً –حسب قوله – للقارئ إسقاط القصة التي يريدها على الرواية، ومبتعداً عن الأسلوب القصصي الذي يسلب غالباً الرواية فلسفتها الوجدانية ومادتها الأدبية، لافتاً إلى أن العناوين التي يجدها القارئ في الرواية ليست أفكاراً متباعدة عن بعضها دون أن ينكر أنه أغنى عمداً حالة المونولوج وتوصيف الحالة الوجدانية وتحليلها على حساب الحدث الدرامي الذي يبدو بسيطاً.

شرق وبريد وحياة
يودع الطفيلي من خلال روايته في بريد حواء مجموعة من الرسائل بين تمردها وترددها، وكذلك في بريد آدم دروساً عن الأنوثة والرجولة، ثم يهمس بعشر وصايا في جدار الكون تقول آخرها “اقرأ هذه الوصايا مرة ثانية في هذا اليوم واقرأها كل يوم”. ويجعل الليل معلماً له  يأخذ منه الصمت والصبر فهو الغريب الذي يفضح الأسرار بابتسامة ودمعة، كما أنه يحمّل غلاف روايته الذي نفذته زينة شروف  ترجمة لإحدى عبارات الرواية “أنا أبوك الطفل يا طفلتي الأم”، ثم لا ينسى أن يهاجم شرقنا المحكوم بالقهر فيقول “في شرقنا بعد كل حرب يستريح الشهداء من الموت على غيمة، ويعود الجنود البسطاء إلى الفقر ويتحدث الجبناء عن بطولاتهم التي لم تكن” لكنه رغم الحزن والحرب يؤكد: “أعتقد أننا اليوم ورغم الحرب يجب أن ننتمي لزمن الحياة والأغنية التي تمثل الرواية والمسرح أطول ألحانها، فنحن نحارب ثقافة الموت، لذا علينا أن نغني بصوت مرتفع حتى لو لم يسمعنا أحداً اليوم، فلابد أن الجميع سيلتفت لغنائنا أخيراً”.
ويرفض الطفيلي أن يتحدث عن صعوبات الكتابة، فعلى الكاتب كما يرى أن يخجل من كلماته، لأن كل كلمة يكتبها هي طفلة ينجبها، لذا ترينه كالأم لا تتحدث عن صعوبة الإنجاب بل تكتفي بعناق ما أنجبت، أما الوقت الذي استغرقه في كتابة الرواية فهو بضع سنوات وحرب كما أجاب.

وحي القلوب
وعلى الرغم من أن الطفيلي يحزم جميع حقائب أحلامه ويرميها في روايته، إلا أنه يصف نفسه مجرد كاتب لوحي قلوب من حوله لا أقل ولا أكثر، معتبراً أن رسالة الأدب الأولى أن يصدقها من كتبها أولاً، أما من يصدقها بعده فهذا يتعلق بما حمل في قلبه وبما كتب بيديه، مشيراً أنه تبنى أفكار روايته في جميع أعماله سواء مسرحية “تفل قهوة” التي عرضت في بيروت ودمشق، أو العملين التلفزيونيين وهما قيد التنفيذ، “التهمة” سوري، و”خيزران” ويشاركني في كتابة الأخير رنا العبود.
لوردا فوزي