شاء الهوى.. فامتثلنا
لعل مسلسل “وشاء الهوى” الذي انتهى عرضه مؤخراً على قناة سما، من أهم المسلسلات التي تناولت قضايا الشباب بشكل عام، والشباب الجامعي بشكل خاص، فكان مرآة واقعية عكس من خلال القضايا التي طرحها معاناتهم وأحلامهم المجهضة بسبب الظروف المجتمعية والحياتية التي تقف عائقاً أمام طموحاتهم، وبالتالي تفرض عليهم العيش خارج رغباتهم والاستسلام لمشيئة أقدارهم، لأن الحياة كما تعبّر مقولة العمل كل شيء فيها ممكن، لكن ليس بالضرورة أن يتحقق هذا الممكن، وقد دعم الرؤيا في الطرح أسلوب الإخراج الواقعي للمخرج زهير قنوع حيث دخل إلى أعماق كل شخصية وقدّمها لنا عبر منولوج داخلي تعيشه الشخصية أحياناً، وأحياناً أخرى من خلال واقع الشخصية الحياتي، فجاءت معالجته متكاملة مع الأفكار التي طرحتها الكاتبة يم مشهدي كتجربة أولى لها في الكتابة التلفزيونية، فحمل العمل الكثير من الشفافية والعذوبة المتناغمة مع المرارة التي تعيشها شخصيات العمل على كل الصعد.
وإذا توقفنا عند شارة العمل التي تقول كلماتها “كم رغبنا.. كم حلمنا.. كم تمنينا وعشقنا.. وشاء الهوى فامتثلنا” نراها تعبّر عن مضمون العمل والحياة بشكل عام، وليس حالة الشباب فقط، فالرياح غالباً تجري بما لاتشتهي السفن، لكن في العمل نقرؤها عبر مجموعة من الشباب الجامعيين الذين جاؤوا من بيئات مختلفة محمّلين بالآمال والرغبات والأحلام المشرقة عن المستقبل الذي بدؤوا بنسج خيوطه الأولى بانتسابهم للجامعة، وهؤلاء الشباب على اختلاف انتماءاتهم وبيئاتهم تجمعهم هموماً واحدة، وأحلاماً مشتركة، فنراهم ينطلقون من أسر ذواتهم ليبحثوا عن مكانهم في المجتمع، وقد شكّلت كل شخصية في العمل حالة مستقلة عن الأخرى ببحثها عن خلاصها وإيجاد فرصة لها في الحياة، ففي مجتمع تسود فيه قيم المال والاستهلاك ليس من السهل على شباب مازالوا يتعاملون بطيبتهم وفطرتهم، أن يثبتوا أنفسهم ويحققوا وجودهم، دون أن يدفعوا ضريبة أكبر من النتيجة التي سيحصلون عليها بأضعاف.
كما طرح العمل قضايا كثيرة هامة، كالبطالة التي يعاني منها الطالب الجامعي ولجوئه إلى ممارسة أعمال متعددة دون جدوى، وأيضا موضوع تأخر الزواج وحالة الفقر التي كانت المحرك الأساسي لطروحات العمل، وغيرها من القضايا التي أغنت العمل. لكن ما يستحق التوقف عنده أن هذا العمل أُنتج عام 2007 وحقق حضوراً كبيراً لدى المشاهدين من خلال طروحاته التي لامست واقع الشباب بأسلوب شفاف وجريء يحسب لكل طاقم العمل، وهنا يحضر السؤال حول عمل حقق نجاحه في فترة ماقبل الحرب حيث كانت معاناة الشباب تتمثل بحالاتهم النفسية والاجتماعية والشخصية والدراسية، واليوم نتساءل إلى أي مدى يعبّر هذا العمل بكل طروحاته عن الشباب السوريين الذين يعانون من حرب ظالمة امتدت لسنوات ست غيّرت الكثير من المعطيات الاجتماعية والنفسية، وخلقت إشكالات وهموم أكبر بكثير من المعاناة والخيبات التي عاشها الشباب الذين تكلّم عنهم العمل، فهل انتبه صنّاع الدراما، والكتّاب بشكل خاص، إلى ضرورة تناول حالات الشباب ومعاناتهم في ظل الواقع الذي يعيشونه الآن، لأن أكثر مايحتاجونه هؤلاء الشباب أن يجدوا من يتحدث معهم عن مشاكلهم وهمومهم سواء من خلال المرشدين النفسيين، أو التربويين، أو أي جهة أخذت على عاتقها مسؤولية إعادة البناء والإعمار، وليس هناك أهم من البناء في الإنسان، وتحديداً الشباب الذين يمثلون محور الحياة والمستقبل، ولعل صنّاع الدراما يضعون هذا الموضوع في اعتبارهم بشكل جدّي، ويكونوا أمام مسؤولياتهم بإنتاج أعمال تتحدث عن هؤلاء الشباب وتتناول قضاياهم ومعاناتهم التي أثقلت أرواحهم وأقضت قلوبهم.
سلوى عبّاس