مهرجان الفنون المتجدد
ازدحمت أعمال الفنانين في خان اسعد باشا هذا العام بشكل كبير وعلى غير العادة، في إشارة واضحة إلى النتيجة التي أرادها القائمون على تنظيم المعرض الذي يعتبر مهرجانا تشكيليا وطنيا، وهو المعرض الواسع الذي يضم أعمال الفنانين من جميع المحافظات ويحافظ على دورته منذ عقود، فهو الأكثر عراقة بين المعارض والأبلغ حضورا مثلما هو ملتقى اجتماعي سنوي لعديد الفنانين الذي يصرون على المشاركة وممارسة دورهم في الحياة الثقافية وإن غاب البعض عن المشاركة يبقى لهذا المعرض ألقه وذكرياته وأدبياته التي تسجل في الذاكرة الوطنية.
..في سوق البزورية معرض لحوائج الدمشقيين من عطورات تتوفر في دكان أبو الخير على الزاوية المقابلة لقصر العظم إلى زعتر العرجاوي ومواد العطارين الغريبة من أصبغة وأعشاب وسكاكر وبعض ما يحتاجه أهل الحاجة من غرائب يجدونها في هذا السوق الذي يسيطر على زائره وإن كان هذا الزائر يقصد معرضاً للفن التشكيلي في خان أسعد باشا ذو الأعمدة والحجارة السوداء والبيضاء في مداميكه المتراتبة المعمار وصولا إلى قبة سماوية عالية. قد لا يصلح هذا المكان لعرض الأعمال التشكيلية في نظر البعض، لأن المكان يشاغب ويبتلع أي موجود فني سواه فلا يسمح بالحضور الباهت للفنون الأخرى، فسلطة العمارة طاغية على المكان مثلما تسيطر روائح البزورية والتاريخ على زوارها والعابرين منها، هكذا حال دمشق مدينة تحملها على كتفيك وتسكن في القلب لا يمكن فصل الذكريات عنها، وفصل الفنون عن مناخاتها التي تجتمع اللوحة والمنحوتة والعطر وملبس السوس معا في مكان قد يضيق بزائريه.
في حضور كبير من الفنانين ومحبي الفن افتتح وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد المعرض السنوي “معرض الخريف” وكرّم عدداً من الفنانين الكبار، هم: نعيم شلش، ممدوح قشلان، أسماء فيومي، كما كان متوقعا تكريم الفنان الراحل نذير إسماعيل الذي غادرنا منذ فترة قصيرة، لكن لوحته المعهودة علقت في مكانها المستحق في أول المعرض وبداية الأعمال المعروضة تكريما لروحه وتعبيرا عن حضوره البهي الذي لم ينقطع عن المشاركة بأعماله، والمساهمة كعضو في لجنة التحكيم الخاصة بالمعرض لسنوات طويلة ومشاركا ناصحا للكثير من الفنانين الشباب.
تميز معرض هذا العام بمشاركة الشباب دون سن الأربعين، علما بأن معرض الربيع مخصص للشباب ويقام في فصل الربيع، إلا أن القائمين على المعرض لهم الرأي في جمع الشباب مع كبار السن وصولاً لتحقيق أوسع مشاركة ومنح الشباب فرصة العرض والمنافسة مع بقية الفنانين، وبالفعل فقد أثبت بعض الشباب تميزهم المستحق والمنافس لكثير من الأسماء المكرسة نجوماً في المشهد التشكيلي، إلا أن بعض هذه التجارب لا زالت في طور البحث عن هويتها ولم تخرج عن إطار الوظيفة أو المشروع المدرسي والتجربة التي تحتاج لكثير من الدربة والصقل، مما أوقع بعض جوانب المعرض في تدني المستوى الفني وفي الازدحام وغياب شرط العرض الصحيح.
تنوعت المعروضات في جوانب التصوير الزيتي والحفر “الغرافيك” والنحت، وبقي التصوير محتلا المساحة الأوسع من حيث عدد الأعمال وقد غابت التجارب الجديدة التي تتجاوز لوحة الحامل مثل العروض التركيبية وفنون الفيديو آرت أو الأعمال التي تنحو منحى أكثر حداثة مما أوقع المعرض في حالة من التكرار والتقليدية، ولكل مبرراته في هذا، إلا أن الفضاء المفتوح والذي يجب توفره في معرض الخريف لا يمكن أن يتوفر في أي معرض آخر، فمن الأجدر فتح الباب أمام هذه التجارب الجديدة التي تفتح الأفق لتجاوز لوحة الحامل وتجاوز الفهم التقليدي للفن واللوحة، وصولاً إلى هواء جديد في المشهد التشكيلي السوري وتخطي المراوحة في المكان، لأن المطلوب أضحى أكثر ويعيد طرح الأسئلة عن دور الفنون ووظيفتها اليومية في التجاوز وتخطي الواقع نحو غد منتصر ومتفوق، في حرب تستهدف الإنسان والحضارة والثقافة الوطنية والهوية.
أكسم طلاع