ثقافة

واحدنا حيثما الكلمة واحد

هات عطرك، أو حفنة من نجوم حروف اسمك، لأبدأ البسملة، وأفاوضك على قضية إن شرع قلبي لك ربحها، وخرجت من أوزان وقافية بحور عشقك، لأسكب ثانية فيك مدادي، فإن خسرتها، أمرتك اتبعني مجدداً إلى عرش قلبي ومساحات فؤادي، ولا تترد حينها عند أية جملة، قد تتلفظها حيال مرونة دواويني وجماليات قوانيني في السكون عند كل النهايات، ولا تسلني كيف كان هذا، فكل هذا من ثمار كلماتي، لا يراع فكرك، والظن الواهم بكل أحجياتي، ومن أين بدأت التلاوة، وبأي حرف إلى هذا النزال قدمت، وبأي وزن شكلت به أغنياتي، اتبعني، وكن مطمئناً، وثق أنك الآن تقف ببابي، وإنما بابي كبير اسمه اللغة، صهيلها شوقي، وأدراجها عهود أمسياتي.

هات قلبك وبه وإلي.. إليك.. امض، أنا وأنت ثنائياً بواحد متحدان، وكلانا حيال اللغة والمقاصد والدلالات، ولو تفرقنا كل بلهجة وكل بكناية، لكننا أقوياء إن اجتمعنا توحداً في رابطة جأش الحب، في وحدانيته بإله الكنايات، الواحد يصير كياناً، والكيان يصير كلاً، كن فيكون، لا يفصلك عني فاصل، ولا يفرقها فاصلة، ولا نقطة على السطور، ولا كل تلك الاستفهامات، فخطأك خطأي وإن شئت أشاء، والكلمة أيضاً تشاء، فهي قول في البقاء، وإثباتاتك إثباتي في مجرة الحروف، وسديم اللغات.

قولي يبقى، فنح فكرك جانباً، والحق نبضي حيثما في دربي تكمن محارب أمنياتي. توسد ما يقوله قلمي بعين قلبي، لا برؤى مزامير النفوس، واضطراب هواجسها الماضيات. أمعن النظر بداخلك.. داخلي، كن براءة الأمرين، من كل ناحية وحانية من كل ماض وآت.

تأملني وفض بتدفاق سلسبيل شعرك كلمة كلمة، أغدق سيل نور حبك على بياض الورق، اقترب، ازفر كل خوف وكل براكين وثورات وعربدة بحجة العلم واللقب، امح ذاك النفور بيني وبينك، بين صناعة الإنشاء ،وبين تواتر القلق.

ادن  أكثر إلى نفسك، إلى كلمتك.. كلمتي نفسي، ليتسرب، ويتشرب بي الوجد طرائق التماهي، وخلو الصفاء من نعيم وأدب، لتصير في العمق مرتحلاً إلى الأعماق، مهاجراً من سطوح قشور النبر والفوضى والعتب، إلى قاع الجمال حيثما اللب والسكر والعنب، حيثما الجوهر والكرم.. حيثما الفيض الأسمى، ومدائن الشعر، والتماع الذهب.

الكلمة تصير سيفاً، يبتر، ولا تبتر في التماعها الحق سوى نزوات الرغائب وهيجان الغضب.. الكلمة تلامس فخاخ العظام، الكلمة الله يعرفها الكرام، حادة جبارة، قهارة ودودة بما ائتمنتها نفسك نفسها، تعود عشقاً إن أردت، وتتجسد في حيواتها لكل ظالم ألم.

هات حروف شهيقك، وثق بنا، واتبعني في إرث الألفاظ، لتشهقني استجمام الحمائم في جنة عدن المدائح، عابرة سبيل الصوت، هديلك هديل رسائل اليمام حيثما جنان الماء والكلام، ليتنفس من جديد براءة من غبطة الاتحاد حروفه الهواء، لنمحي غشاوة أبصار الأنام، من اعتياد ما يصفونه في أكواننا وكتبنا وشعرائنا ومعجزاتنا من مضمرات اليقين بين الجزم والإلزام، حجة الإحلال لبعض المفاهيم، وتزوير لذاكرة التاريخ بين معلقات وخواتيم، بين سماح وتحريم من جهة، وشاكلة قوانين أحرفهم، وتأويل محاكمهم، ومزاجية أزقتهم، ليصير الشاعر، ليصير العاشق بالطهر بالكلمة في ربيع الأيام شيطاناً رجيماً.

يا كفرهم، يا كلمتنا غربة الحقيقة نصاع بياض من عتمة ليل وفجر كريم، إن التمعت مجتمعة كلمتك ومنارة انتظاري صباح الوقار، يالله أيتها الكلمة العظيمة، عشق تمادى في الغوى، فولد للسماء وللأرض مرامي ناظرة، حاضرة في الوجد حيثما الجهات في رونقها، تسام لكل الحروف شفاء من سقمه السقيم، مكبراً كلما تأمل أكثر الكلمة أكبر.. الكلمة أكبر، علمت الإنسان كيف يتكلم، فصارت وصرنا لساناً واحداً تحمل جنين رحمها اللغة ومولدها نوراً يبدد كل ظلام ليئم.

الاستعارات تصير حجاباً لكل احتجاب، إن الكلمة تكلمني حباً، فمنك وبي تلد مستقبلاً، لا يقدر على طي ذراعيه جلجلة عقل فاسد، أو مهلة خائن يابس، أو ثناء قاتل يدعى أنه بالنبوءة أعلم من عالم وبشأن الأوطان عليم.

هات يدك نخط مسارات السير، لا تتعب أو تذعن من أشباح الطريق. الرحلة بدايتها حرف والتماع وميض حيثما الدهشة، فلا تتعبك فيها المشقة، فيها نذر الغيب، مكابرة الموت، قياس لا يعرف قياس، وعروض في بحر الوعي تتمرد على كل غصن مقيت.

تعال نتعانق، وليعانق روحينا جلال الصمت، لنعانق بدورنا الكلمة، لغة تفوح من سكوت لصمت مفرح، ففرح ولادة وخلود عنيد.

أبد وأبدية حياة، لا تخاف الألسنة المعوجة، ولا الأصابع التي تشهر مكرهاً على خطاب محاكمة فكر، وعاصفة عقل يترنح، يقاصص اللحظة، لا يعرف كيف أني كونت منك وكونتني حرف عشق، ونبضنا يدوم مادام في الحياة نجوى، وترتيلة اعتلاء في عتمة الليالي، تبدأ باسمك، وتختتم بتلاوة ما تيسر من أحرفك آمين.

رشا الصالح