مشاريع تشكيلية لأصوات سورية ملونة.. (ملامح بحث عن هوية)
حرص الإعلامي علي الراعي في كتابه “دروب في المشهد التشكيلي السوري” الصادر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب” أن يقدم قراءة متوازنة في تجارب الفن التشكيلي السوري، بحيث لم ينفرد برؤيته الخاصة صوب ما ضمنه المؤلف من ظواهر فنية تشكيلية, بل قدم كل تجربة بوجهتي نظر تتفقان أحيانا وتختلفان أخرى, فلم يقدم وجهة نظر نقدية أحادية تنتصر لرأيه, بل حضر الآخر “الفنان” بكل حرية وكان له مساحته الحرة عبر حوار أو نقاش أو تحليل بينه وبين حراس المعبد الفني.
لماذا الفن التشكيلي؟
المحرض الأساسي لانجاز الكتاب حسب ما ذكر المؤلف في المقدمة تحت عنوان “لأجل ذاكرة ملونة” أنه أراد من خلاله تقديم قراءة حرص فيها على التنويع باختياراته بشكل يوازي المشهد التشكيلي ذاته “ثمة معطيات كثيرة تجعلنا نقف أمام عمل فني تشكيلي يمد بمجساته صوب الأرض السورية القديمة, أي الحديث عن عمل تشكيلي بهوية سورية ومرجعية تاريخية لمكان معين دونما انقطاع عن حركة التشكيل العالمية” وذلك بمختلف أنواع الفنون التشكيلية مضيفاً: “غير أن هناك حركة تشكيلية منذ أكثر من مائة عام لها إرهاصاتها القديمة, ومع ذلك لم يتوفر لها قراءة نقدية موازية أو تعادل تنويعاتها من اتجاهات وتجارب”.
انتصر الكاتب في كتابه للفنان التشكيلي مستعرضا كيفية تعامل باقي الفنون معه, إذ قدمته الأعمال الدرامية السورية بشخصية هشة متناقضة قريبة للسخرية، معتبرين الأعمال الفنية مجرد خربشات مبهمة, وأنها لا تقل غرابة عن صاحبها, ويمكن الجزم أنها صدرته لجمهور المشاهدين وكرسته كشخص غريب الأطوار نرجسي, محاولة تشويهه في الشكل والمضمون، وهي صورة حقيقية التقطها الراعي بعين الناقد بدليل أن كتّاب الدراما التلفزيونية لم يعرفوه عن قرب, إضافة إلى بعدهم عن الفن التشكيلي عموما, وفي السينما لم يكن حظه أوفر إذ لم تقدمه السينما إلا من خلال السيرة الذاتية أو الفيلم الوثائقي، وهي أفلام قليلة جدا ولا يتثنى للجمهور العام متابعتها أو الاطلاع عليها، كما يتثنى له متابعة الأعمال الدرامية التلفزيونية, غير أن هناك جهل شبه كامل بأعمال وإبداع الفنان السوري الذي يقيم خارج الوطن.
تلوين شعري
في فصل “انزياح لوني- كلمات وألوان” أخذنا المؤلف في رحلة إلى العصر الجاهلي والتشكيل بالكلمات والمعاني، وكيف كان الشعر “تصوير” ليبين علاقة اللوحة البصرية بالشعر و العلاقة بين القصيدة واللوحة، إضافة للإلهام المتبادل بينهما, ليؤكد على تجاور الشعر مع الرسم, مبرهنا على كلامه بالشاعر التشكيلي “تجربة أدونيس” التشكيلية التي يجهلها الكثيرون, وغيره من الشعراء الذين اشتغلوا على القول الشعري والتشكيل اللوني على اللوحة, علما أن رحلة التشكيل مع النص السردي حالة قديمة كما ذكر “ما لونه الواسطي لمقامات الحريري”.
تأتي أهمية الكتاب من المشهد البانورامي الذي أضاء فيه المؤلف للقارئ على عالمين من الفنون, وعلى الطريقة التي استخدمها في التعريف بالفنان من خلال صورته وصور نماذج عن أعماله، الأمر الذي أغنى المخطوط. من ناحية ثانية قدم الكتاب صور نماذج من أعمال فنية لما يقارب ثمانية وعشرين فناناً سورياً لم يتسن للكثيرين الاطلاع عليها, إضافة لتفكيك وتحليل طريقة كل فنان على حدة, الأمر الذي جعل قراءة اللوحة التشكيلية أسهل بالنسبة للقارئ البعيد عن متابعة هذا الفن أو كان مبهما بالنسبة إليه, فاللغة التي استخدمها الراعي سهلة ولا تحمل مصطلحات وتراكيب تزيد في إبهام اللوحة بالنسبة للمتلقي العادي. كما لا يمكننا تجاهل الجزء الأخير من الدروب “انزياح لوني- الكاريكاتير الملتبس” على اعتباره فن مركب من التشكيل والكوميديا, الفن الذي لم نقرأ عنه, بل لم نعد نراه على الصحف بعد أن كان ارتباطه وثيق بالصحافة اليومية والأسبوعية, وكان بمثابة تلخيص ونقد لأهم وأبرز الأحداث في حياة المواطن العربي, مبينا تجارب أهم فناني الكاريكاتير السوري الذين يستخدمون الريشة والقلم والورقة بعيدا عن اللوحات الفنية التي تنجز على أجهزة الكمبيوتر، وتحول الرسام والرسم من فنان وفن إلى صناعي وتقني.
يقع الكتاب في 359 صفحة من القطع الكبير.
لؤي ماجد سلمان