ثقافةصحيفة البعث

التطرف بالسلاح نواجهه.. وبالتعليم والثقافة ننهيه

في ظل تعدّد أشكال الغزو الثقافي الذي نتعرّض له، ومحاولة نشر التطرف الفكري وهو أخطر أنواع التطرف وتشجيعه من قبل الغرب عبر كافة تطبيقات الإعلام الجديد الذي غزا مجتمعاتنا، دقَّ المشاركون الأرقم الزعبي، د. أسامة الحمود، د. منذر الأحمد في ندوة “مواجهة التطرف الفكري والغزو الثقافي” ناقوسَ الخطرِ فيها، وهي التي تأتي ضمن سلسلة ندوات الغزو الثقافي التي اعتاد المركز الثقافي العربي – أبو رمانة- عقدها شهرياً بإدارة الإعلامي الشاعر محمد خالد الخضر.

أخطر أنواع التطرف

بيّن الأرقم الزعبي، عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتّاب العرب، أننا بالسلاح نستطيع مواجهة التطرف، وبالتعليم والثقافة نستطيع أن نقتله وننهيه، موضحاً أن التطرف الفكري عملية ناتجة عن تعبئة لأيديولوجية ما (دينية، عرقية، مناطقية) يعتنق بنتيجتها الأفراد الآراء المتطرفة، وصولاً إلى استخدام العنف، ورأى أن وسائل التواصل الاجتماعي والشابكة ساعدت المجموعات المتطرفة فكرياً في استقطاب أفراد وجماعات أكثر، في حين ظهرت قبلها شخصيات مثل أسامة بن لادن، وأبو عبد الله المهاجر وغيرهما عملت على نشر الفكر المتطرف، والترويج له واستغلال الشخصيات التي تعاني من الأمراض النفسية أو مظلومية في مجتمعها، واستخدام الدين والفهم المنحرف لبعض الآيات والأحاديث لتسويق التطرف، وساعدها في تحقيق أهدافها تشجيع الامبريالية الغربية على الطائفية والعرقية والمناطقية، فظهر التطرف والمتطرفون فكرياً والذين يتمتّعون بخصائص مشتركة مثل الدعوة لحلول استبدادية واستخدام العنف لتحقيق الأهداف والفراق التام مع الديمقراطية، وسيادة الفائدة، وعدم الاعتراف بالآخر، والسعي لتقويض ركائز المجتمع، مما يتطلّب التمسّك بالأمن الاجتماعي والوطني، وصولاً للاستقرار، ولم يخفِ الزعبي أن التطرف الفكري شكّل موضوعاً أساسياً لدى العديد من المجتمعات، ولاسيما عندما ينتقل التطرف الفكري من الحالة النظرية إلى حالة الإرهاب المستند إلى التطرف الفكري، مما يجعل للإرهاب منظومة فكرية تبرّر لها ما تشاء، وأخطر أنواع التطرف الفكري برأيه عندما يتحول هذا التطرف من حالة فردية إلى حالة التطرف الفكري لدولة أو دول.

القوة الناعمة

وأكد الشاعر د. أسامة الحمود في مشاركته أن الثقافة بمفهومها النخبوي والشعبوي هي في مقدمة الوسائل التي تصدّت للتطرف والإرهاب لأنها تستهدف البيئة الحاضنة له، موضحاً أن الثقافة الحقيقية لا تقوم على ملء الذهن بالمعلومات، وهي ليست ترديداً لأفكار وأقوال الباحثين والعلماء، لأن الحقيقة المطلقة لا يمتلكها أحد وإنما تعتمد المحاكمة العقلية، وانتقاد ما هو قائم وعدم قبول الأفكار والشك، وتكوين رؤية لذواتنا ومجتمعنا وعالمنا، فبهذه الثقافة نكون محصّنين من الأفكار والمعلومات المغلوطة التي تتمكن من الذهن الفارغ، مبيناً أن عالم الأفكار، سواء كانت طارئة أو راسخة ليس هو المحرك للتطرف الفكري، وإنما هناك مجموعة من العوامل التي تساهم في خلق المتطرف، منها: الاستغلال النفسي، الحاجة المادية التي تحرّض المتطرف للانتماء لمؤسسة ما أو فكر ما بهدف تلبية هذه الحاجة، إلى جانب النزوع إلى مكانة اجتماعية قد لا يحققها المتطرف في المجتمع السويّ، والدليل برأيه أن الكثيرين من الأشخاص الذين لم يحققوا مكانة اجتماعية وجدناهم قادة للكتائب المسلحة المتطرفة. وأشار الحمود إلى أن للثقافة وظيفة مهمّة وعميقة في مواجهة التطرف وليس المتطرفين، الإرهاب وليس الإرهابيين، لأن الدولة تواجه هؤلاء بعملية عسكرية، في حين أن الثقافة تحارب الإرهاب والتطرف، لأنها تستهدف منابعه، منوهاً بأن الثقافة مفهوم مركب يجمع الآداب والفنون والعلوم الإنسانية بأشكالها، وما تنتجه القريحة الشعبية، والمثقف هو من يمتلك عقلاً ناقداً وواعياً ورافضاً لأي أفكار شاذة، وإن تضادات كثيرة بينه وبين المتطرف فكرياً، وأهم هذه التضادات، برأي الحمود، أن المثقف الحقيقي يفكر بطريقة علمية تقوم على الشك والنسبية والتجدّد والتعددية، فهو ينهل من أكثر من منبع لينحاز للفائدة، ويوصف كذلك بقدرته على الحراك والمشاكسة، وكلها صفات لا تتوافق مع فكر المتطرف الذي لديه مسار وقناعة واحدة لا يغيّرها، ولا يخضعها للشك والنسبية، وينحو دائماً نحو الركود والجمود على مبدأ “السمع والطاعة”. وأكد الحمود أن تفعيل دور الثقافة لتصبح الحائط المنيع في مواجهة التطرف يحتاج إلى بناء تجمعات للثقافة وجعل القراءة والمطالعة جزءاً من المنهاج الدراسي، مع إعداد معلمين قادرين على تحقيق هذا الهدف، إلى جانب تهيئتهم لترسيخ مفهوم القدوة، وكذلك الاهتمام بالمنتج الثقافي والأدبي للطفل وتشجيع منتجي الثقافة والفنون والاحتفاء بهم لتعزيز القوة الناعمة للدولة، مع تأكيده على عدم التعامل مع الثقافة على أنها قلادة للزينة في مجتمعاتنا بل وسيلة لبناء الإنسان بمعارفه وقيمه واتجاهاته.

الغزو الإعلامي

وتحدث د. منذر الأحمد، مدير مديرية الإعلام الإلكتروني في وزارة الإعلام، عن الغزو الإعلامي بكافة أشكاله ودور وسائل التواصل بكافة تطبيقاته والذي لا يستهدف فقط الفئات الشعبية بل الفئات النخبوية أيضاً، ورأى أن مواجهة التطرف الفكري تحتاج لأدوات، فامتلاك المحتوى لا يكفي، وبالتالي يجب العمل على استنباط آليات وطرق للوصول بالمحتوى الخاص بنا إلى المتابعين لإيصال أفكارنا بالطريقة التي نتمناها في ظل وجود ما يقارب 3 مليارات مستخدم لموقع الفيسبوك، و250 مليون على منصة “إكس” (التويتر سابقاً)، وقد بات أكثر من 65% من عدد سكان الكرة الأرضية قادرين على الوصول للإنترنت، وبالتالي فإن هذه الأرقام  برأيه تجعلنا أمام مواجهة جديدة تفترض استخدام أساليب جديدة للتعامل مع الإعلام الجديد وسياسة التضليل التي تُمارَس علينا من القوى المعادية المتحكمة بهذه الوسائل وإدارتها وفقاً لمصالحها، وهي التي مارست سياسة التقييد والحظر لصفحاتنا ومواقعنا، وهذا يعني ضرورة البحث عن أدوات خاصة بنا، كما فعلت روسيا والصين لنحصّن مجتمعاتنا ضد الاستراتيجيات الغربية القائمة على إغراق الجمهور بما تريده.

أمينة عباس