ثقافة

منى مرعشلي.. شمس المغارب في غيابها الأخير

منى مرعشلي.. صوت له فرادته.. عذب رقيق وادع.. صوت يغرق الروح بالسلام، جليل الوقع غامر الدفء، نشيد يملأ ملكوتنا بالحياة صوت من يحمل عبق الزمن الجميل.
وكأنها كانت قد حزمت أمتعتها وتهيأت للرحيل دون أن تُعلم أحداً.. فما بين تكريمها مؤخراً في “مترو المدينة” ضمن مشروع “متروفون” ورحيلها ثمة أيام قليلة.. وكأن هذا التكريم كان جلسة وداع بينها وبين جمهورها وأصدقائها ومحبيها، تلك الفنانة التي امتطت صهوة الفن تدافع بصوتها عن أصالة الغناء العربي، وبرحيلها تطوي صفحة من صفحات الطرب الأصيل التي تشهد على تاريخها الزاخر بالعطاء رغم قصر مدته حيث رحلت أول أمس عن عمر الـ58 عاماً.
منذ إطلالتها الأولى في عام 1973 عبر استوديو الفن، حققت الفنانة مرعشلي حضورها الفني، حيث عرفت بغنائها لأم كلثوم، وهذا الحضور أتاح لها المجال للتعامل  مع العديد من الشعراء والملحنين، فأغنيتها “اتركني انسالي اسمي” كلمات زياد الرحباني وألحان فليمون وهبي تعتبر من أجمل الأغنيات التي ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي، لكن الأغنية التي حققت لها شهرتها كانت أغنية “شمس المغارب روحت” كلمات محمد العجمي، وألحان الموسيقار نور الملاح، واستطاعت أن تكرس نفسها مطربة بلون غنائي خاص، لكن ومع كل الدعم الذي قدمه لها الأخوين رحباني من خلال إنتاجهم ألبوماً غنائياً لها باللهجة اللبنانية حمل بصمة صوتها وجميل أدائها، إلا أن ظروف الحرب اللبنانية آنذاك وخوف إخوتها عليها منعها من متابعة مشوارها، ومع ذلك فقد سجلت مرعشلي بعض الأغنيات مع الملحن الراحل، فيصل المصري، منها “علشان عيونك، لك شوقة عندنا، وغيرها، والتي استطاعت أن تنافس بها زملاءها الذين انطلقوا في الفن معها، وعملوا على توظيف أغنياتهم لصالح استمرارهم الفني، وروجوا لحضورهم الدائم سواء عبر الحفلات التي أقاموها، أم عبر المقابلات الإعلامية التي أجريت معهم، كالفنانين وليد توفيق وغسان صليبا وماجدة الرومي وغيرهم، مع الراحلة مرعشلي وباعترافها غيبت نفسها بإرادتها فنياً واجتماعياً، بسبب ظرف صحي ألّم بها، إضافة إلى رغبتها البقاء إلى جانب والدتها المريضة، والذي رأت أنه أهم من مستقبلها الفني، وظلت تتعامل مع الفن بشغف هاوية، وليس كاحتراف مهني يحقق لها الكسب المادي.
قالوا في موهبتها
استمرت مرعشلي في أغانيها المتجددة التي جسّدت استمرارية سيدة الطرب الأصيل أم كلثوم. وقد اتفق صناع الموسيقى العربية وعمالقتها على جمالية صوتها وموهبتها، ولم يترددوا في اعتبارها إحدى اللقى النادرة في تربة الغناء العربي، فقال فيها سيد مكاوي “هذه موهبة خطيرة تحتاج إلى ما يليق بها من ألحان”، في حين وصفها الموسيقار محمد سلطان بأنّها “من طينة الكبار وصوتها يستدعي رعاية خاصة”، أما الموسيقار بليغ حمدي فقال “أنا جاهز لكي أتفرغ لها فوراً”.
تمكنت الراحلة عبر أغنيات حفظتها الذاكرة كـ “شمس المغارب”، “يا شمس عمري غيبي”، “تركني انسالي اسمي”، “لك شوقة عندنا”، “سألت كل مسافر”، “مالي ومالك يا هوى”، وكلها أغنيات تميزت بثقافة الكلمة والمعنى وغناءً ولحناً، من بلوغ مكانة رفيعة في عالم الفن الجميل.
منى مرعشلي غابت شمس عمرها في رحلتها الأخيرة، وبرحيلها يفقد زمن الطرب الجميل صوتاً آخر دخل في باب الغياب. لكنه سيبقى خالداً في ذاكرة ووجدان كل من أحبها.
محررة الثقافة