ثقافة

ملحم بركات في ذكرى أربعينه

خصص الباحث وضاح باشا محاضرته ضمن – سلسلة موسيقا الزمن الجميل- للحديث عن فنّ الموسيقار الراحل ملحم بركات، وقد اعتمد الباحث على جانب توثيقي في محاضرته بعرض مقتطفات من لقاءاته التلفزيونية وحفلاته وتحليلها، وتوقف عند أهم الأشخاص الذين شاركوه رحلة النجاح كالشاعر نزار فرنسيس كاتب أغنياته وصديقه، وتحدث باقتضاب عن المنعطفات الخاصة في حياته والتي أثارت جدلاً في الأوساط الإعلامية والفنية مثل زواجه من مي الحريري ومن ثم انفصاله عنها، وعودة الخلاف في مراسم وفاته، وعلاقته بالإعلام، ورأى أن اللقاء الأخير مع الإعلامي داوود الشريان هو الأجمل والأقرب إلى حقيقة بركات.

دائرة الرحابنة
انطلق الباحث من بداياته بظهوره مع كورال الرحابنة مع جورجيت صايغ وهدى حداد في مرحلة الستينيات حينما كانت مسرحيات فيروز في أوج انتشارها وشهرتها، لكن بركات أحسّ بطاقته الفنية الكبيرة فخرج من دائرة الرحابنة، وانطلق من الدويتو الشهير مع جورجيت صايغ “بلغي مواعيدي” والذي كان سبب شهرته، إلا أنه لم يستمر بهذا الشكل الغنائي الذي بدأ بالانحسار منذ عام 1965، ومضى في عالم الغناء والتلحين فلحّن لكثيرين منهم صباح، فهد بلان وليد توفيق وديع الصافي ماجدة الرومي باسكال صقر وغيرهم.

النقلة الموسيقية
وقد ركز الباحث على أهم الخصائص الفنية لموسيقاه، إذ تميّز صوته الطربي بمساحة كبيرة ضمن الطبقة الحادة والمرتفعة –التينور في مواضع وبالطبقة المتوسطة في مواضع، واختلف النقاد على ذلك فبعضهم قال إنه تأثر بعبد الوهاب، وآخرون قالوا تأثر بفريد الأطرش وبالرحابنة، لكن الباحث في سياق تحليل موسيقاه رأى أنه تأثر بكل الطربيات في الوطن العربي وقدم (ملحم بركات) كما هو بتمرده وهذا ما جعله مختلفاً، فدمج بين الجملة الطربية والحركة الراقصة. وتوقف الباحث عند السمة الأهم التي تميّزه وكانت أحد أسباب شهرته، وهي التنقل بين المقامات من الرصد للعجم للسيكا بنقلة موسيقية نوعية خاطفة، والنقلة الأصعب من العجم إلى البيات، وبين تفرعات المقام الواحد الحجاز مثل أغنيته “شوف ياحبيبي شوف”، إضافة إلى تنوعه بالقفلة  عبر الارتجالات بالموال بالتدرج الصوتي والتحكم بحنجرته بين الجواب والقرار، كما أثار الباحث سمة التنغيم التي اشتُهر بها بركات. وأفرد مساحة لعدة ملفات غنائية لتحليلها “حنا السكران، يا حبي اللي عايش بالسر، حيرني حبّك”.

موقفه من حرب الجنوب
ومن المحاور الهامة التي تطرق إليها الباحث هي موقفه الوطني في حرب الجنوب 2006ورفضه مغادرة مزرعته التي كانت على تماس مع الاشتباكات، ودعوته إلى توحد الوطن بأديانه وطوائفه من خلال أغنيته الشهيرة “يا منموت كلنا” “حطوا إيديكم ع الإنجيل، حطوا إيديكم ع القرآن، يا منموت كلنا وبيموت الوطن، يا منكون رجال وبيبقى الوطن”.

الفلامنكو
واستضاف الباحث في هذه المحاضرة الناقد ملهم الصالح الذي التقى مع ملحم بركات عام 1994أثناء التحضير لأوبريت عزاء للفارس الذهبي باسل الأسد في مهرجان المحبة، فأكد على الخاصة الفنية التي تحدث عنها الباحث وهي التنقل بين المقامات، وأشار إلى تأثر بركات بالفلامنكو وبالموسيقا الإسبانية وبدا هذا بوضوح في أغنية “ما يهمنيش أنا والعذاب بقينا صحاب ويا الحرمان – بتكرار الجملة الموسيقية “ما يهمنيش”.

مصرنة الأغنية
والنقطة الهامة الثانية التي تحدث عنها الصالح هي تجربة بركات مع تلحين الموشحات مثل موشح “بعهود الوفا، قد بلغنا المطافا”، والنقطة الأكثر أهمية هي إخلاصه للأغنية اللبنانية إذ هاجم كل الفنانين الذين يغنون بلهجة أخرى وخاصة اللهجة المصرية، وكان ضد ما أطلق عليه “مصرنة الأغنية”، وأنهى كلامه بالحديث عن الدقة والاحترافية في بروفاته وإصراره على منع حضور أيّ شخص بروفاته، وتقصده غناء أغنياته على المسرح قبل غنائها في الأستوديو لمتابعة أصدائها لدى الجمهور وتعديل بعض المواضع وهذه خاصة تحسب لإبداعه أيضاً.

كرمال النسيان
واختُتمت المحاضرة بعرض مقتطفات من لقاء مع نزار فرنسيس تحدث فيه عن الجوانب الإنسانية التي يتصف بها بركات، وعن عشقه لضيعته كفرشيما ومزرعته التي كان يمضي فيها وقتاً طويلاً ويلحن فيها أغنياته وهو يصغي إلى كلمات فرنسيس، والأمر المثير الذي توقف عنده فرنسيس هو عشق ملحم للبنان وارتباطه بنافذة غرفته المطلة من بعيد على بيروت أثناء تلحينه على العود، وأنهى حديثة بإطلاق أغنية كرمال النسيان التي غناها بركات في منزله، وبتأليفه كلمات أغنية رثاء لصديق عمره راودته أثناء التشييع:
“صارت وراقه فوق نعشه منتفه/واهتز عرش المملكة ملحم وقع”
ولكن هذه الأغنية لن تسمع بصوت بركات وإنما بصوت من يبكي هذا الموسيقار الذي أغنى الموسيقا العربية.
ملده شويكاني