ثقافة

بعد تألق طلابه على مسرح دار الأوبرا مؤخراً فـادي عـطـية: نـسـعى لإطـلاق أصـوات جـديـدة تتـابـع الـمـسـيـرة

لأنه تتلمذ على يد كبار مغني الأوبرا أمثال مغني البولشوي فلاديمير مالوتشنكو ومغنية الأوبرا الروسية نتاليا كيرتشنكا، وقدم العديد من الحفلات مع مغنين عالميين أمثال فابيو أندريوتي وسلفانا فرولّي وكلود ميلوني، ووقف على أهم خشبات المسارح في سورية والوطن العربي، كان فادي عطية سعيداً بالنجاح الذي حققه طلبتُه في المعهد العالي للموسيقا –قسم الغناء- بمصاحبة الأوركسترا السيمفونية الوطنية بقيادة ميساك باغبودريان في الحفل الذي أقيم مؤخراً على مسرح دار الأوبرا، والذي حضره جمهور كبير من محبي هذا النوع من الغناء. وأكد عطية أن حلمه في تشكيل فريق غنائي أوبرالي سوري يقدم أهم الأعمال الموسيقية العالمية قائمٌ ويتقدم إلى الأمام. “البعث” التقت المغني فادي عطية وكان هذا الحوار.
> لنتحدث بداية عن الحفل الأخير الناجح لطلابك بمرافقة الأوركسترا السيمفونية الوطنية، وما هي النتائج التي خرج بها الطلاب والمعهد؟.
>> قدم ثلاثة من طلابي هم مغنية السوبرانو رشا أبو الشكر وعون معروف مغني تنور وميخائيل تادرس مغني باريتون وهم طلبتي، بالإضافة إلى الطالبة كارمن توكمجي وهي مغنية سوبرانو، وقد قدموا جميعاً العمل المعنوَن باسم مدير المسرح الذي كتبه المؤلف العبقري موتزارت وهو من الأعمال الصغيرة التي تشبه الأوبرا، قدم فيها عبرة بأن الموسيقا عمل جماعي لكل واحد دوره وأهميته وخصوصيته وقد قدم العمل بشكل جيد جداً ولاقى تصفيقاً كبيراً من الجمهور المتعطش لهذا النوع من الفنون، وقد تألقت مغنية السوبرانو رشا أبو الشكر ومغني الباريتون ميخائيل تادرس في هذا العمل، وقد عاد هذا النوع من التقاليد الموسيقية للظهور منذ بداية العام الماضي، فقد قدم صفّي حفلاً غنائياً منوعاً على مسرح دار الأوبرا بمرافقة البيانو، واليوم بمصاحبة الأوركسترا السيمفونية الوطنية، فالطلبة اكتسبوا خبرة كبيرة في الوقوف أمام جمهور كبير بمصاحبة الأوركسترا لأول مرة، وأدّوا بعض الحركات الجسدية البسيطة، والمعهد قدم للجمهور مادة جديدةً جميلةً أعطت أملاً كبيراً بولادة نجوم جدد.
> كان حلمك منذ سنوات تكوين فريق غنائي سوري قادر على تقديم أهم الأعمال الأوبرالية العالمية، فماذا حققتَ من هذا الحلم؟.
>> عندما كنتُ طالباً في المعهد العالي للموسيقا حالفني الحظ بالتعرف والدراسة مع مغني البولشوي واسع الشهرة فلاديمير مالوتشينكو، وكانت فرصةً ذهبية بالتعرف على التفاصيل الدقيقة لتكوين المغنّي من مرجعية علمية بهذا الحجم، فهو مغنٍّ رفيع المستوى وأستاذ عارفٌ بعلوم الصوت، ومن هنا ولِد الحلم بتكوين فريق من المغنين المحترفين يؤدون هذه الأعمال على خشبة الأوبرا السورية، وبدأتُ بدراسة أصول التدريس من خلال حضور جميع دروس الطلبة، للتعرف على طرق بناء الأصوات وطرق حلِّ المشاكل التي قد يعانون منها، أما بالنسبة لما تحقق فقد بدأتُ بتأهيل مغنين جدد منذ كنتُ طالباً في السنة الثالثة، أذكر منهم على سبيل المثال: لينا شماميان ومعتز عويتي وشادي علي وعدد كبير ممن دخلوا إلى المعهد العالي للموسيقا وتخرجوا، لكن العدد الأكبر منهم غادر البلد لأسباب كثيرة، منها قبل الأزمة وخلالها، ولم تتكون نواة دائمة في دار الأوبرا تقدم الأعمال بشكل دوري يثبت المغنّين في مكانهم الطبيعي، فظلت الحفلات تقدَّم بشكل غير منتظم بين فترة وأخرى، والحل بأن يُحتضَن هؤلاء المغنون في فرقة صغيرة تكون نواة لفرقة أوبرا تقدم الأعمال بشكل دوري على غرار الأوركسترا السيمفونية وأوركسترا الموسيقا العربية.
> حدِّثنا عن قسم الغناء الأوبرالي في المعهد العالي للموسيقا.. ما أهميته؟ وأي دور يلعبه في تخريج مغنّين أوبراليين في سورية؟.
>> قسم الغناء في المعهد العالي للموسيقا قسم في غاية الأهمية، فهو الوحيد في سورية الذي يؤهل ويخرِّج مغنين محترفين (الحديث عن مغني الأوبرا) وقد بدأ هذا القسم مع قدوم مغنية الأوبرا الروسية ألميرا أوخاندوفا، وبعدها المغني الروسي فلاديمير، ثم مغنية الأوبرا نتاليا كيريتشنكا، مع وجود مؤقت للمغنية البريطانية شونا بيزلي، وقد استمر هذا العمل مع وجود كوادر وطنية سافر أغلبها خارج الوطن، وما استمر هو فقط الصف الذي أقوم بتدريسه ويضم عشرة طلبة من جميع أنواع الأصوات أعمل على بنائهم وإطلاقهم، وقد بدأنا بالانطلاق من خلال حفلين في العام الحالي قُدِّما على مسرح الأوبرا، الأول حفل للطلبة بمرافقة البيانو، والثاني بمصاحبة الأوركسترا السيمفونية الوطنية ويذكر لهذا القسم أنه خرّج عدداً من الأسماء اللامعة.
> كيف تفسر قلّة عدد من يتقدمون لقسم الغناء الأوبرالي في المعهد العالي للموسيقا؟ وأية أسباب كانت وراء عدم قبول المعهد أي طالب للسنة الأولى فيه هذا العام؟
>> قلّة من المغنين هم الذين يمارسون التدريس، فهو اختصاص بحدِّ ذاته، وهناك عدد كبير من المغنين الذين لا يجيدون التدريس أو لا يحبونه، والأسماء التي تؤهل مغنين جدداً في البلد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وفي هذا العام تقدم إلى فحص القبول في المعهد العالي للموسيقا عدد من المتقدمين ممن لم يحققوا المستوى المطلوب، إما في امتحان الغناء أو في امتحان الصولفيج، وقد اختارت لجنة القبول أفضل المواهب المتقدمة ليكونوا في الصف التحضيري في المعهد، وليتم تأهيلهم لمدة عام ومن ثم يتقدمون لامتحان القبول في المعهد مرة ثانية، وهذه فرصة جيدة للراغبين بالتعلم، حيث يكون تأهيل الطلاب على نفقة المعهد العالي للموسيقا، أما أن نعتبر عدم قبول أي طالب في قسم الغناء الكلاسيكي مشكلة فهذا غير صحيح على الإطلاق، هذا يحدث بشكل طبيعي في عدد من الاختصاصات ليحافظ المعهد على سويته خاصة وأن مغني الأوبرا يحتاج إلى صوت جميل قوي له طابع وخصوصية واضحة وإحساس موسيقي عال، بالإضافة إلى الثقافة الموسيقية والقدرة على قراءة النوتة الموسيقية، كما يحتاج إلى حضور جيد وهذا يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً.
> وكيف يمكن دعم قسم الغناء الأوبرالي لما له من خصوصية؟
>> يمكن دعمه بمزيد من الحفلات المتنوعة بمرافقة البيانو ومن ثم مع الأوركسترات الموجودة في البلد كأوركسترا طلبة المعهد العالي للموسيقا والأوركسترا السيمفونية، ومن الجيد تبني فريق من الخريجين ليقدموا أعمالاً غنائية في دار الأوبرا بشكل دوري، وبذلك نقدم لهم فرصة عمل ونحافظ على وجودهم نظراً للنزيف الموسيقي الكبير الذي يعاني منه بلدنا الحبيب.
> درستَ الغناء الكلاسيكي على يد خبراء روس معروفين، فأي تأثير تركته مغادرة الخبراء الروس لسورية على صعيد هذا النوع من الغناء؟
>> لا ريب في أن الفضل الأكبر لتأسيس هذا الفن في سورية كان للمغنين الروس الذين أتوا إلى سورية ليدرِّسوا في المعهد العالي للموسيقا، خاصة وأن العمر الفني للحركة الموسيقية الكلاسيكية في سورية لم يصل إلى مرحلة القدرة على خلق موسيقيين بهذه الخبرة والقدرة والشهرة الكبيرة التي يتمتع بها المغنون الروس، ومغادرتهم تركت فراغاً كبيراً، وأنا لا زلتُ على اتصال بأساتذتي في بعض القضايا الحساسة التي تتعلق باختيار البرامج.
> كمغني أوبرا معروف في سورية هل تعتقد بوجود جمهور لهذا النوع من الغناء؟ وما السبيل برأيك لخلق جمهور حقيقيّ له؟
>> هناك جمهور نوعي لهذا الفن، فالجمهور الذي حضر الحفل الأخير كان كبيراً ولم تشهده دار الأوبرا منذ زمن لحفلات الموسيقا الكلاسيكية، ومن الجيد تقديم الحفلات بشكل دوري في المسارح السورية لتوسيع الشريحة وتعريف الجمهور الموسيقي بشكل عام على خصوصية وأهمية بعض الفنون النوعية.
> كمدير لمعهد صلحي الوادي حالياً، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه المعهد في تنشئة مغنيي أوبرا ليكونوا رافداً حقيقياً للمعهد العالي للموسيقا في هذا المجال؟
>> قمتُ بتأسيس قسم الغناء في معهد صلحي الوادي للموسيقا منذ حوالي عشر سنوات ليكون رافداً للمعهد العالي للموسيقا كون الغناء الأوبرالي ليس من تراثنا المسموع، وقد بدأتْ ثمار القسم تظهر كمغنية السوبرانو رشا أبو الشكر وهي خريجة قسم الغناء في معهد صلحي الوادي للموسيقا، كما وصلت مواهب أخرى للمعهد العالي للموسيقا درست في معهد صلحي الوادي مثل مغنية السوبرانو ليليان خير بك، وهناك عدد جيد من المواهب الواعدة في المعهد تحضِّر لتكون في المعهد العالي للموسيقا في القريب العاجل.
> يعاني أساتذة معهد صلحي الوادي من الأجور الضئيلة التي يحصلون عليها رغم الجهود الكبيرة التي يبذلونها، وقد ساهمت هذه الأجور في انسحاب عدد كبير منهم من التعليم في المعهد، فأيّة خطوات يمكن اتخاذها لسدِّ هذه الثغرة؟
>> مع استلام الأستاذ محمد الأحمد لمهامه كوزير للثقافة أولى اهتماماً كبيراً لطلبات المعهد وساعدنا كثيراً بهذا الموضوع، وأظن أننا وصلنا إلى خواتيم الأمور، وقريباً سترتفع الأجور إلى حدٍّ مقبول يحافظ على سير العمل ويساهم في عودة البعض من الأساتذة إلى العمل في المعهد.
> كعضو في لجنة وزارة التربية المعنية بتجديد معايير المناهج الموسيقية، حدّثنا عن أهم المطبات التي وقعت فيها مناهجنا الحالية والتي ساهمت في غياب دروس الموسيقا عن مدارسنا، وما هي الخطوات التي تسعى هذه اللجنة لاتخاذها في سبيل تقديم مناهج موسيقية تساهم في تنمية المواهب واكتشافها ورفع الذائقة الموسيقية لدى أطفالنا؟
>> أظن أن أكبر مصاعب مناهجنا التربوية هي نقص الكوادر الموسيقية التربوية، وبالتالي تتحول المادة إلى درس نظري مملٍّ بسبب غياب الكفاءة، والسبب في ذلك هو الازدياد الكبير في عدد السكان والمدارس وعدم الاهتمام بإنتاج مربين موسيقيين مما جعل قيمة المادة الموسيقية تتراجع وتفقد أهميتها التربوية في المجتمع، وهذا يحتاج إلى جهد كبير لعلاجه، أما طرق العلاج التي قدمناها فتتمثل في خلق مناهج مبنية على رؤية واضحة، ومصادر تعلم بديلة كثيرة داخل وخارج الصف ودورات تأهيل للأساتذة، وأترك التفاصيل للمركز الوطني لتطوير المناهج ليقدمها للإعلام.
أمينة عباس