نـجـوم الـمـرحـلـة
اعتادت وسائل الإعلام المرئي منها والمسموع والمقروء في معظم بلدان العالم، أن تلهث بشكل دائم وحثيث لاستقطاب نجوم المجتمع “طبعا حسب مفهومها للنجومية” إلى منابرها, باختلاف الهالة المشعة التي تحيط بهؤلاء” ممثلين, مطربين, مخرجين, وزراء, مدراء عامين, شعراء، روائيين” وإن كان الشاعر والروائي هما الأقل حظا -من سوء حظنا- في تلك الإطلالات المخملية، باعتبار أن مواصفات النجومية المتعارف عليها في هذه الوسائل لا تليق بهم، والحقيقي منهم فعلا هو من لا تعنيه تلك المظاهر المبهرجة ولا تعنيه هذه الإطلالات المباركة بمعية فلان أو فلان! فالنجومية ومعناها الحقيقي في وقتنا هذا لم تعد معنية بالمعايير الإنسانية والشروط الموضوعية التي يجب أن تتوافر بمن يحملون هذا اللقب، عندما كان ياما كان في قديم الزمان لقبا محترما يناله شخص ما بعد عمر مضن من التعب والجهد الخلاق والمبدع والشديد الأثر بالناس، مثلا: هل الشاعر”محمد الماغوط” نجم بأعماله الشعرية التي قرأها حتى من لا يقرأ عادة، والتي ترجمت لأكثر من عشر لغات وشاعر المليون نجم؟!.
وهل فيروز بصوتها الذي لا صفة أرضية تليق به هي سفيرتنا إلى النجوم واللواتي يغنين بأجسادهن وكعوبهن العالية نجوم؟!.
النجم الآن هو ببساطة ماركة مسجلة وحصرية لتلك الجهة أو غيرها، دون أي اعتبار إلا الانسياق وراء مقولة: “هكذا يريد الشارع”، وهو أي النجم ليس صاحب وجهة نظر حتى في ملابسه ومشاعره التي يرغب أحيانا بالتعبير عنها دون سابق تحضير مع رعاته، فتنهار الصورة التي قدمه الإعلام بها عند الناس.
تدأب تلك الوسائل بأنواعها لملاحقتهم ومطاردتهم وتصيد أخبارهم حتى العادية منها، لنقلها وتسويقها وكأنها حدث ما فوق طبيعي أو كما لو أنها تعادل مرور مذنب هالي، منها مثلا أيضا: النجمة الفلانية أنجبت بنتاً، وكأنها حواء الأولى! المطرب العلتاني وقع عن السجادة والتوى كاحله وغيرها من هذه الترهات التي تملأ الوسائل الإعلامية الرائجة بين الناس للأسف!.
الإعلام السوري المقروء منه بشكل خاص ورغم أسبقيته في الظهور إلى العلن عن باقي الوسائل الإعلامية المتواجدة في معظم بلدان الوطن العربي “الصحافة السورية ظهرت في منتصف القرن الثامن عشر”، انساق أيضا وراء تلك الموجة، ولكن للإنصاف وللأمانة التاريخية، الإعلام الرسمي المحلي بمختلف أنواعه كان الأقل سعيا وراء هذه الظاهرة والأكثر احتراما في التعامل مع مفرداتها، ولكن هذا لا يعني أنه كان يقدم شيئا مميزا وهذا حديث أخر، حتى ظهور الإعلام الخاص في سورية في مطلع الألفية الثالثة، المرئي منه بشكل خاص، انساق بدوره خلف تلك الظاهرة لملء ساعات البث بالعديد من المقابلات والبرامج الفنية الترفيهية السمجة، مسوقة لأسماء لا تملك من الموهبة إلا رائحتها، مع تغيير الاسم والكنية “لضرورات العمل الفني”.
الآن وبعد الحرب الدامية التي تعصف بالبلاد، أتحفنا إعلامنا الحبيب بنجوم من نوع جديد ومختلف، جديد من جهة تطرقه لما تمر به البلاد.
أما نجوم شاشتنا الجدد فهم المحللون السياسيون الذين لم نسمع بهم ولم نرهم قبل الحرب إلا ما ندر، وهم بالمناسبة بضعة أسماء اعتدنا على وجودهم وإطلالتهم البهية بشكل شبه يومي على شاشاتنا المحلية “خاص وعام” حتى أننا صرنا نفتقد لهم ولأحاديثهم المليئة بالشجون والتكهنات البعيدة عن الواقع مسافة سنين ضوئية.
أضف إليهم أيضا العديد من نجوم التمثيل، إذ صرنا نرى الممثلة “س” أو الممثل “ج” يوصفون لنا أبعاد الحكاية السورية التي لا تنتهي بكلام لا يقاس لا بميزان ولا بقبان، إلا بما يمكن لنا أن نسميه “طق الحنك” وأمثلة كثيرة من تلك النماذج لا مجال لإيرادها لضيق الخلق بتلك الاستدعاءات.
نجومنا طبعا سعيهم مشكور وجهدهم مقدر، ولكننا وبعد قرابة الستة أعوام مما حل بالبلاد من دمار وخراب ولوعات لا تميت ولا تحيي، أعتقد انه بات علينا التفكير بمن هم نجوم المرحلة الحالية الحقيقيون، النجوم السوريون الطبيعيون، نظرا لما تحمله تلك الجملة من إيحاءات لها وقعها المأساوي فعلا في هذه المرحلة على من يذوقون الأمّرين وهم يعبرون دروب آلامهم اليومية بصمت مغلف بالأسى.
هؤلاء هم نجوم سورية الفعليون، هؤلاء من يجب أن تُسمع أصواتهم وتُصافح أكفهم البيضاء بغير سوء، إذ ليس من المعقول أن يكون نجوم ما قبل الحرب، هم ذاتهم نجوم مرحلة الأزمة وبعدها، وإلا فهناك مشكلة عقيمة في آلية تفكيرنا وطبيعة هذا التفكير.
نجوم سورية الطبيعيون اليوم هم أفراد المجتمع السوري، أولئك الطيبون الصابرون والمحتسبون، الساعون وراء رزقهم وقوت عيالهم، تحت كل ما يحدق بهم من أخطار، مُسلّمين أمرهم للأقدار وليس للسيارات المصفحة وعبوات الغدر الناسفة.
نجومنا الآن هم الحريصون بحق على وطنهم بكل ما يملكون ولكن بصمت ودون ضجيج، وبدون بزات من “جافنشي”، وربطات عنق من “دوتشي غابانا”، إنهم الخباز وعامل النظافة وربة المنزل والبقال والصحفي النظيف، والشاعر الأصيل، التلميذ والفران، وفي مقدمهم الجندي السوري الكريم “أقمارنا” والكثير غيرهم من أبناء سورية وأولادها المحبين.
أولئك من يمسكون الوطن بأهدابهم، ويهدهدونه ليغفو قبل أن تغط أعينهم بشبهة نوم، هؤلاء من يستحقون بكل فخر واحترام وتقدير، أن تكون أوجههم الناصعة فوق الصفحة الأولى لجرائدنا، وفي صدر شاشاتنا وعلى أثير إذاعاتنا “المتلفزة بشكل خاص” التي تبث نبأ خبر استشهاد العديد من السوريين وتلي هذا الخبر الموجع بأغنية كارثية من عيار “لبست توب البني”!, ولا مانع أيضا بأن يخبر “سعيد” “منى” برعاية شركة للاتصالات: بأنها حبة عينه وذلك في الشريط الإخباري الذي يمرر جنبا إلى جنب، أسماء شهداء قضوا و قلوبهم ترفع راية الحق، ورسائل المحبين الملتاعين!.
تمّام علي بركات