أهل الخيال
تمّام علي بركات
نماذج مشرقة فعلا نقدمها عن الحياة الاجتماعية القائمة بيننا نحن أهل البيت السوري، فلا ضغائن مهما كانت طبيعية وعادية كضغينة الجارات مثلا، ولا كره متبادلاً لا سمح الله، هو تبادل خفيف للفؤوس والطعنات ليس إلا، يعني شيء من “قريبو” لا يذكر أثره، لا تجار مستعدين في أي زمان ومكان لأن يصبحوا قتلة ولكن من النوع اللطيف المبتسم، لديهم قدرة لو لا قدر الله “طلع بأيدهم” أن يملؤوا الهواء بأكياس ثم احتكاره فترة قبل بيعه بباهظ الأثمان، ولا نفوس مستعدة أن تتحول ذات فرصة إلى وحوش كاسرة تبيع مستوعباً صغيراً من الماء بـ “5000” ليرة سورية – أغلى من المازوت المفقود والموجود معا- وغيرها من الأمثلة الوافرة وبحمد الله التي تدل وبقوة على طبيعتنا المحبة والودودة، فنحن نلقي التحية صباح كل يوم على بعضنا البعض “صباح الخير يا جار، يسعد صباحكم، صباحك فل وياسمين” وغيرها من العبارات التي انتخبناها من بين مفردات اللغة ليكون لدينا على الٌأقل شيء جميل حقيقي واحد ندعيه أنه بيننا، فلم نجد أفضل من الكلام، ومن يوم اكتشفنا هذا الاكتشاف المذهل، تحولنا إلى “بياعين كلام” كل في موقعه ومكانه وكيفه وسلطانه، نبيع كلاماً، الجميع يبيع الجميع كلاماً، الرجل لزوجته ولأولاده، المعلم للتلاميذ البقال للحلاب، الفران للحداد، المسؤول للناس، وهكذا، حتى صار الكلام يحتاج إلى إعادة اختبار لكثرة ما بعنا واشترينا فيه، اهترأ وتمزق، وصار مهما “رتيناه” لا ينرتق فتقنا اللغوي، كنزنا ومادتنا الأولية والأساسية لتجارتنا المباركة.
ولأننا نعي تماما مقولة الشاعر الأرجنتني “بورخيس”: “إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء” فإننا ذهبنا نحو الخيال، لكي نبحث لبعضنا البعض عن مفردات جديدة وكلام جديد نبيعه، كلام يتماشى مع المستجدات والمرحلة الراهنة، وكما هو معلوم الخيال هو أساس الفن وفي الحقيقة المطلقة، هو أساس العلوم، لذا كان من الصعب علينا التعامل مع الخيال وفق هذا المعطى، لذا صار الخيال هو موهبتنا الوحيدة في كل شيء، في الكلام والوعود، في العمل والشكوى، في الحب والحرب، نتخيل الماء والكهرباء وتحسن الأجور وارتفاع قيمة الكلمة، حتى صار لقبنا “أهل الخيال” كل ما لا نستطيع تأمينه، نتخيله.
البارحة تخيلنا أن بداية هذا العام ستكون مختلفة على “المعترين”، قولوا انشالله.