ثقافة

مع قرب عرض مسرحيته “زيتون” مأمون خطيب: أجمل النصوص العالمية كتبت خلال الأزمات

لم تكن الحرب على سورية بالنسبة للمخرج مأمون خطيب فرصة للاستراحة والتأمل والترقّب  والانتظار كما فعل كثيرون، بل كانت محرضاً أساسياً لكل الأعمال التي قدمها في السنوات الست الأخيرة، فمن رحم الحرب قدم باقة من الأعمال المسرحية التي تحاكي هذه الحرب وارتداداتها الإنسانية، من هنا تأتي مسرحيته الجديدة “زيتون” امتداداً لتلك الباقة التي أنجزها خلال الأزمة التي تمر بها سورية عبر مجموعة من الكتّاب السوريين الذين تناولوا في نصوصهم موضوعات تخص السوريين خلال هذه الحرب.

زيتون
يؤمن خطيب كمخرج بقدرة الحرب على خلق أفكار جديدة انطلاقاً من قناعته أن الأزمات والحروب مرتع مناسب لأفكار آنية وعميقة تخص المجتمع، ولذلك هو اعتاد بظلها على البحث عن أفكار لها أبعاد وطنية وإنسانية لتكون صالحة في أي مكان ولأي إنسان كما فعل في مسرحيته “هدنة” حينما تحدث عن انخراط الشباب في الحرب بل الانخراط في بناء المستقبل، وكذلك عن فكرة فقدان الأم لأبنائها كما في مسرحية “نبض” فهذان الموضوعان برأيه لا يحدثان في سورية فقط في ظل الحرب وإنما في أي مكان تقع فيه، من هنا فإن خصوصية “زيتون” تنبع من فكرته الإنسانية وعمقها ودلالتها كونها تدور حول موضوع شديد الحساسية وهو المحافظة على الأرض ورمز الزيتون والقبور ودلالتها كانتماء للآباء والأجداد  وعدم التفريط بها.

ألم ووجع كبيران
وعلى الرغم من أن الكثير من المخرجين يحاولون الهروب من الأزمة في أعمالهم إلا أن خطيب لم يفعل ذلك، ولم يستطع أن يهرب باتجاه ما يسميه “الترف الفكري” خلال الأزمات انطلاقاً من إيمانه بأن المبدعين يجب أن يكونوا أبناءً للأفكار الآنية، حيث لا يمكن لأحد برأيه أن يهرب من الحرب  وارتداداتها التي مستنا جميعاً بخساراتنا وفقداننا وضيقنا، لذلك لا يمكن لخطيب أن يبتعد عن هذه الموضوعات  في أن يقدم عملاً ترفيهياً بالمعنى الثقافي وكأن شيئاً لا يحدث في بلدنا، مؤكداً أنه ضد فكرة الابتعاد عن الأزمة بالكتابة والإخراج والأداء، لأن أجمل النصوص العالمية كتبت خلال الأزمات، وأهم المؤلفين المسرحيين إما ظهروا أو عرفوا خلال الأحداث الكبيرة خاصة في الوطن العربي أمثال “سعد الله ونوس- محمد الماغوط- ممدوح عدوان- وليد إخلاصي وفرحان بلبل” وهذا ينطبق كذلك على جيل سوري مثقف من المخرجين، من هنا يدعو خطيب للاستثمار الفكري للأزمة والحرب، لأنها دائماً تخلق موضوعات حديثة في الوقت الذي لا يخفي فيه استغرابه في ظل ما أنتجته الحرب من مواضيع أن يذهب بعضهم إلى النصوص العالمية وبين يديه كم كبير من الألم والوجع والموت، ونوّه إلى إصراره على تقديم كتّاب جدد يقدمون أفكاراً تمس السوريين خلال الحرب عبر نصوص مسرحية سورية لأن ما يحدث في سورية أعمق وأكثر تأثيراً من أي نص أجنبي يمكن الاعتماد  عليه.

الواقعية ضرورة
يعمل خطيب بمبدأ الواقعية في “زيتون” كما اعتاد أن يقدم كل أعماله ولكن مع دمجها بالشرطية ودلالات الفكرة والديكور والسينوغرافيا، فالكلام في المسرحية واقعي، والقصة فيها عبارة عن صراع عائلي، إلا أن دلالات الحوار العميق هي المهمة، وأكد أن البحث عن الأشكال المسرحية خلال أوقات السلم هو حق مشروع لأي مخرج، ولكن خلال أوقات الحروب تصبح الواقعية أمراً ضرورياً لإعادة الجمهور إلى المسرح من خلال فكرة واقعية وطريقة أداء تشبه ما يحدث، لذلك لا يعنيه أن يبحث في التجريب المسرحي والمدارس المسرحية لأن هاجسه اليوم وفي ظل الحرب تقديم فكرة تمس الإنسان السوري وتساهم ولو قليلاً بالإضاءة على ما يحدث في سورية.. ويوضح خطيب أنه وقبل الأزمة من حق المخرجين في أوقات الرخاء التجريب شكلاً ومضموناً (ترف ما قبل الأزمة) ولكن هذا الترف لم يعد مقبولاً اليوم، وإن قدّمت أعمال تغرّد خارج السرب فلن يحضرها إلا القليل من الجمهور، لكن ما يحدث دوماً أن الحروب والأزمات تلقي بظلالها على الحياة، وهذا ما يجعل الكثير من هؤلاء المخرجين يتجهون بشكل طبيعي لما يعانيه الناس ونوه في الوقت ذاته إلى  أن المخرج دائماً يحاول  تقديم فكرة تمسه أولاً إذا كان لديه هدف أو مشروع ما، ومن حيث المبدأ من حق كل مخرج أن يقدم أي فكرة يريدها، المهم أن يعود  المخرج السوري اليوم  إلى خشبة المسرح بعد أن هرب منه، إما بسبب الوضع المادي أو بسبب عدم تحديد الموقف من الأزمة، أو الإيمان بأفكار أخرى  دون أن ينفي أن من عاد إلى المسرح فلإيمانه بأهمية المسرح والهدف التنويري له وقداسة العمل في أوقات الأزمات.

الكتابة للمسرح لم تعد مشروعاً
وما بين الموضوعات الكثيرة التي أفرزتها الأزمة وقلّة عدد الكتاب الذين تصدوا لها يأسف خطيب لأن الكتابة للمسرح لم تعد مشروعاً لأحد، والدليل أن خريجي قسم الدراسات في المعهد العالي للفنون المسرحية ابتعدوا عن المسرح ولم يقدموا نصوصاً إلا فيما ندر، فمعظمهم اتجه إلى التلفزيون مثلهم مثل الممثلين بحثاً عن المال والشهرة، وهذا برأيه من حقهم إلا أنه مؤمن في الوقت ذاته أن الكتابة المسرحية هي مشروع لا علاقة له بالأجر والشهرة، إنما له علاقة بالتوجه الفكري والإيمان بهذا الفن، فالشاعر لا يكتب من أجل المال وكذلك الروائي، فلماذا على المسرحي أن يفكر بالمال إذا كان لديه مشروع حقيقي على هذا الصعيد، وهنا بيت القصيد حيث أنه –كما يرى- لا يوجد هم مسرحي لدى كتاب اليوم والسبب كما يعتقد خطيب أننا نعيش عصر الاستهلاك والنزوع نحو الشهرة ومفهوم الرزق سواء في التمثيل أو الكتابة أو الإخراج، وهذا ما جعل الكثيرين ينتمون للتلفزيون أكثر من المسرح الذي يحتاج إلى الإيمان به.

الصيغة الأمثل
وعن نص “زيتون” يبين خطيب أن النص كتبه طارق مصطفى عدوان وهو مخرج سينمائي يخدم حالياً في الجيش العربي السوري، وهو كمخرج في هذا العمل والأعمال الأخرى، حريص على فكرة الكاتب، محاولاً دائماً أن لا يخون فكرته قدر الإمكان، مع تأكيده على محاولة التعبير عن هذه الفكرة بطريقته، طريقة الارتجال على خشبة المسرح بالتشارك مع ممثلين محترفين، ولفت إلى أنه يعمل مع الكاتب بطريقة الشراكة، وفي بعض الأحيان يقوم بتقديم فكرة آنية ليعمل عليها فيتشارك معه في الكثير من التعديلات والاقتراحات في فترة ما قبل الصعود على الخشبة، وأشار كمحترف  إلى ضرورة أخذ أذن الكاتب في أي تعديل طارئ، كما يتناقش معه بالآلية التي توصّل إليها كمخرج  في التعبير عن فكرة النص، لأن الشراكة هي الصيغة الأمثل للعمل بالنسبة له، فقراره دائماً ليس فردياً ولا يدّعي الفضل بإخراج  أي عمل مسرحي لوحده.

الشللية الحميدة
ولأنه في كل عمل من أعماله يستقطب وجهاً جديداً عن سابق إصرار وترصد وانطلاقاً من هاجسه بضرورة أن يستقطب كمخرج خريجين جدداً على صعيد التمثيل والسينوغرافيا والأزياء من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، لإيمانه بهؤلاء وبأن المسرح هو مكانهم الطبيعي، وبالتالي يجب إتاحة الفرصة لهم في كل عمل مقدّم،  يصر خطيب على الاعتماد على الوجوه القديمة التي يتعامل معها من مبدأ الفرقة، وهم إما من خريجي المعهد أو من ممثلي مديرية المسارح والموسيقا، دون أن ينفي أن بعض الممثلين يتكررون في أعماله لوجود انسجام معهم “الشللية الحميدة” من خلال أدوار تناسبهم، وفي حال نجاح الممثل الذي يتكرر ظهوره في أعماله، أو في حال فشله فهو كمخرج يتحمل مسؤولية عجزه عن إخراج الممثل من حالة سابقة.
وكمخرج له تاريخ مسرحي طويل وغني لا يجد خطيب صعوبة في اختيار ممثليه والأولوية دائماً بالنسبة له أن يكون ممثله محترفاً أو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، إضافة إلى إيمانه بفكرة العمل في المسرح والالتزام بأخلاقيات العمل فيه، ونوّه إلى أنه في “زيتون” تحديداً كان عليه  اختيار ممثلين بمقاييس جسدية معينة خاصة فيما يتعلق بالبطلتين (التوءم) اللتان يجب أن تكونا متشابهتين.
ولا يستغرب خطيب عودة الجمهور للمسرح وخاصة في فترة الأزمة، إذ بيّن أن الناس عادوا للمسرح لحاجتهم الماسة لهذا الفن الذي يلامس روحهم ويمثل مرآة لهم، من هنا يرى أن لا غرابة من عودة الجمهور إلى المسرح خاصة عندما يحترم هذا المسرح الجمهور بما يقدمه من أعمال جادة تحكي عنه وعن همومه وآلامه ويكون مرآة لنفسه، ورفض خطيب تقييم أعماله إذ يترك ذلك للجمهور والنقاد، وتمنى وجود تقييم علمي وموضوعي لكل ما يقدم على خشبات المسارح، إلا أنه يؤكد أنه لا ينجز عملاً مسرحياً إلّا ويخرج مرتاح البال والضمير بعد أن يسخّر له كل طاقته وإخلاصه، وهذا ما يجعله يقول: “يكفيني شرف المحاولة في كل عمل”.
تبدأ عروض مسرحية “زيتون” بداية شهر شباط وهي من تمثيل: رنا جمول- غسان الدبس- مازن عباس- وئام الخوص- مريانا معلولي- مجدي المقبل.

أمينة عباس