ثقافة

“منزل الوالد” ..وقضية الحبّ بدلاً من العنف

يبدو للوهلة الأولى مصطلح”سياج الحبّ” الذي تكرر في فيلم” منزل الوالد” من أفلام المهرجان في الأوبرا غريباً بعض الشيء، لتكشف الأحداث عن مفهومه الذي يدعو إلى السلام بدلاً من العنف الذي لا ينتشر في المجتمع الأمريكي فقط وإنما في كل المجتمعات، وإلى التعامل مع الآخر بسلوكيات تقترب من الحبّ حتى إذا كانت تلك المشاعر الإنسانية لا تجمع بين الطرفين. ومن خلال هذا المحور الاجتماعي يطرح تساؤلات واقعية نعيشها هل يمكن للإنسان أن يستعيد جمالية الماضي الذي ضيّعه؟ وهل الاهتمام أقوى من رابطة الدم؟ ليتوقف أيضاً عند مشاعر الأنثى ليعزز حقيقة أن الحبّ يموت لكن الغيرة تبقى.
وفي المقابل يركز الفيلم على فكرة بناء صداقة متينة بين البيض والزنوج من خلال صداقة فردية، كل هذه الأفكار يتناولها الفيلم الاجتماعي بإطار كوميدي هادف. والأمر اللافت أن المخرج وكاتب السيناريو شون أندرسون، ركز على أداء الأطفال ودورهم في الحياة الأسرية والاجتماعية ضمن إشكالية الانفصال، ليثير مسألة اجتماعية هامة وهي العلاقة بين أولاد الزوجة وزوج الأم، وهل يمكن الوصول إلى تشاركية فعلية بتربية الأولاد بين الأب الحقيقي وزوج الأم؟.
اتضحت الصورة الكوميدية بأسلوبية المخرج من حيث إدخال المباريات الرياضية، والألعاب الترفيهية، والدراجة الهوائية، وحفلات المدرسة، والمشاجرة بين التلاميذ، وقد تلازمت في بعض المشاهد مع الأغنية العصرية على غرار هذا النوع من الأفلام، وتنقلت الكاميرا بين أرجاء الأماكن العامة والمدرسة والمنزل. ورغم الطابع الكوميدي الذي اتسم به الفيلم إلا أنه تميّز أيضاً بومضات إنسانية حزينة تعيشها الشخوص إزاء موقف معين.

زيارة الأب
تبدأ أحداث الفيلم بمباشرة لحياة العائلة المستقرة الزوجة سارة-ليندا كارديلينا- وابنها الطفل ديلن –أوين فاكرو- وابنتها الطفلة ميغن – سكارليت استيفيز- مع زوج الأم براد- ويل فيرل-  وقد تعمد المخرج أن يظهره في المشاهد الأولى على أنه الأب، إلى أن يرن جرس الهاتف ويتحدث الأب داستي-مارك والبيرغ مع طفليه. ومن هنا يبدأ الصراع الدرامي للشخوص المرتبط بزيارة الأب لمنزل العائلة، لتمضي الأحداث بين الشخصيتين الأساسيتين “براد وداستي”، براد زوج الأم الذي تحمل أعباء الأسرة ومسؤولية تربية الأولاد والمشاركة بحياتهم المدرسية والاجتماعية،وداستي الذي يكّن مشاعر الأبوة لأولاده لكنه ابتعد عن أسرته لأنه لا يرغب بالالتزام الأسري، وينصرف لمتابعة حياته وتدريباته بالنشاط الرياضي.

البقاء أو الانسحاب
ومن خلال هاتين الشخصيتين يحلل المخرج سمات كل شخصية وطريقة تفكيرها وأسلوبيتها بالتربية وجنوحها نحو العدائية أو التسامح، فبراد رجل ناضج ملتزم بالقوانين العائلية يحترم خصوصية الصغار ويرفض تعليم الأطفال الرد بعنف وعدوانية حينما يعتدي تلاميذ الصف الرابع على ديلن ابن زوجته الذي في الصف الثاني، بينما نرى موقفاً مغايراً لداستي الذي يطلب من ابنه أن يكون في موضع الدفاع عن الذات ويرد الاعتداء بالضرب المماثل. ليعمل المخرج على إيضاح فكرته بنبذ العنف والعدوانية كما في مشهد الحفلة المدرسية الراقصة، والتي يقوم بها الآباء بمراقصة بناتهم، فتحدث مشاجرة تنتهي بالرقص وبأجواء الفرح التي دعا إليها براد بدلاً من الاشتباك الذي كان يريده داستي، ليوصل المخرج رسالته إلى المتلقي المبنية على مبادئ سياج الحبّ بالتعامل مع الآخر بسلام حتى لو كان بموقف المنافسة وموقف البقاء أو الانسحاب.
وعبْر تتابع الأحداث يطرح المخرج مسألة استعادة الماضي من خلال محاولات داستي التأثير على طفليه وزوجته السابقة بالعودة إلى شريط الذكريات كمشهد عرض الصور الفوتوغرافية على العارضة منذ التعارف الأول بينهما إلى زواجهما وولادة الطفلين، ليشتد الصراع بينه وبين براد ويأخذ طابع المواجهة، ليتغيّر السياق الدرامي للفيلم بانسحاب براد من العائلة بعد سلسلة من المواقف التي تتصاعد فيها المنافسة ليعيش حالة حزن لابتعاده عن الطفلين، في الوقت الذي يكتشف فيه داستي أنه لامكان له وأن الزمن لايعود إلى الوراء، ليطرح المخرج فكرة التشاركية بالتربية دون صراع.
ورغم أن أحداث الفيلم تركز على دور الرجل إلا أن المخرج لم يغفل مشاعر الأنثى في لحظات مكاشفة الذات واسترجاعها الماضي بأفكارها، وقناعتها باختيار قرار الانفصال والارتباط برجل آخر، لكن المثير والمؤلم ملازمة مشاعر الغيرة للمرأة رغم موت الحب بدا هذا واضحاً بغيرة الزوجة السابقة سارة من زوجة داستي الجديدة في مشهد زيارتهما منزل العائلة، رغم إنجابها طفلاً جديداً يعزز استمرار حياتها الزوجية مع براد.
والأمر المثير أيضاً أن المخرج أعاد حضور المشكلة الأساسية بوجه آخر بوجود ابنة زوجة داستي الجديدة لتكرار صورة زوج الأم، ليعيش داستي صراعاً جديداً لاسيما في ظهور الأب الحقيقي لابنة زوجته الجديدة في المشهد الأخير.
ملده شويكاني