صديق طفولتي وداعا
أكسم طلاع
رحل ممتاز البحرة أخيرا، وقد غاب الرجل لسنوات طويلة في منزله المختار في دار السعادة للمسنين بدمشق بعيدا عن الأضواء، حيث مجتمع كبار السن والأدوية وقليل من الألوان تكفي لبقية العمر، رحل الرجل الذي تربت على رسوماته أجيال وبقيت ذاكرة الناس تحفظ له الود والحضور الطيب، وتحفظ رسوماته الرشيقة المرافقة لأشعار سليمان العيسى وغيره من الشعراء والقصائد، ومزينة كتاب القراءة – حديقتي – في المرحلة الابتدائية، وما يميز هذه الرسوم بلاغة المعنى الذي تحمله وكأنها نص آخر يوازي الأدب، وقد يكون أكثر بلاغة مما يقرأ، هنا يقرأ الطفل بالصور ويحفظ النص من خلال ربطه بصورة قوية المعنى، ومن باب تربوي محض قائم على البساطة والوضوح، نجح القائمون على تنفيذ الكتاب أو المجلة في التوجيه والتعليم للطفل حيث التذوق يكون رائدا ومربيا.
تبقى مجلة أسامة هي الميدان الأرحب لتجربة هذا المبدع الذي خبر فن الكاريكاتير بأنواعه السياسي والاجتماعي، لكنه بقي رسام الأطفال العظيم بلا منازع، لم تخل مطبوعة أو كتاب من رسومه لسنوات طويلة، وقد كرم التكريم المستحق من بلده ومن قيادته السياسية، وتفخر بأن يكون لرسامها أكثر من لوحة في متاحفها، فقد أقيمت الندوات والدراسات الكثيرة عن دوره الفني والتربوي، آخرها كان في الشهر الأخير من العام الماضي حيث أقام الفنانون التشكيليون المعرض التكريمي له في صالة المركز الثقافي العربي في “أبو رمانة” كما أقيمت ندوة دعي إليها مكرما ومحاضرا فيها مثل أب بين أبنائه وأصدقائه ومحبيه.
رحل الفنان البحرة وبقيت رسومه، وبقيت علاماته التربوية الجميلة في نفوس أجيال وفي ملامح الوطن. هكذا هو الفنان والفنون الجميلة تبقى ويغيب صانعها الجميل في غياب ملؤه الرحمة والسلام.. ممتاز البحرة وداعاً.