أزمة ثقافة أم مثقفين؟
سؤال يطرح بإلحاح في ظل الأزمات السياسية والبنيوية التي تجتاح الوطن العربي.
بداية لا بد من تعريف للمثقف ووظيفته الثقافية، كما لا بد من تعريف الثقافة بشكل علمي ومنهجي بعد أن تداولها مثقفون ومواطنون بشكل سطحي.
فالمثقف بتقديري هو ذلك الإنسان الذي امتلك الكمية الوافرة من المعارف العلمية والمعرفية واطلع على ثقافات مختلفة وفلسفات طرحت حلولاً للمآزق البشرية. وهو ذاك المبدع الذي يستطيع اجتراح حلول منطقية للأزمات بأنواعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن دور المثقف الرئيسي يكمن في التغيير المجتمعي نحو الأرقى وليس بالضرورة تغيير منظومات القيم وإنما تطويرها. فالموروث الثقافي عميق الجذور في مجتمعاتنا وليس من السهل تغييره، ذلك أن بعضه يعود إلى عصر الجاهلية وما زال معتمداً حتى اليوم في بعض بيئاتنا الاجتماعية. والتغيّر والتطوير الاجتماعي مسألة بالغة الصعوبة وقد تقتضي عقوداً إن لم تكن قروناً، وهي ترتبط ارتباطاً جدلياً بالإنتاج وعلاقاته وأنماطه التي تحدث ثقافة جديدة في البيئة التي ننتمي إليها.
إذاً المثقف هو من يستوعب هذا الواقع ويستنبط أساليب معرفية لمحاولة تطويره إذا تعذر التغيير. وهذا الفهم بأغلبيته العظمى ينسحب على السياسة والاقتصاد كما ينسحب على الاجتماع.
وهنا نسأل: هل لدينا مثقفون من هذا الطراز أم أن المسألة تناسلية بحيث يتحول المثقف إلى باحث عن الذات أو عن الثروة ليلتحق بأول دولار تلوّح له به بعض المرجعيات أو الدول وربما لا يتورّع عن التحول إلى داعشي كما حصل مع بعض المثقفين السوريين الذين لم يتورّعوا عن مغادرة الثقافة باتجاه بيت المال، أو ربما نكاية عندما لم يجدوا لهم مكاناً في السلطة.
من تعريف المثقف أنه غالباً ما يكون متعارضاً أو مختلفاً مع السلطة الحاكمة. لكن بعض مثقفينا ذهبوا بشكل كيدي إلى تدمير البنى المجتمعية بدل العمل على إصلاحها وتطويرها.
أما مفهوم الثقافة فهو مجموع المعارف الفكرية والفلسفية الناتجة عن تطور فكري معرفي لدى المجتمعات، استناداً إلى التجارب وإلى قراءة الواقع وأزماته، وهي عملية تراكم معارف واستنباطات غير متخيلة لكي تتمكن من ملامسة الواقع وقراءته قراءة صحيحة، وقد تكون الفلسفات التاريخية أحد روادها.
قيمة الثقافة ومعيارها أن تكون نقدية بشكل علمي ومنهجي للواقع بقصد تغييره أو تطويره، وإذا جاءت الثقافة خارج هذا الفهم تصبح كما يصف أحمد شوقي الشعر بأنه إن لم يكن ذكرى وعاطفة أو حكمة فهو تقطيع وتوازن.
دائماً كان للثقافة أزمة مع السلطة التي تبغي الاستمرارية والاستثمار، في حين الثقافة تبغي التطوير والتغيير. من هنا كان الصراع الأبدي بين الثقافة والسلطة.
في مجتمعنا العربي لعب الدين دوراً سلبياً غالباً في منع تطور المجتمعات، وأحياناً في تعميق حالة التخلف استناداً إلى مصالح طبقة أو طبقات دينية تشكلت خارج أي منطق معرفي فلسفي أو تغييري. ولعبت دور “قم لأجلس مكانك”.
نستنتج مما تقدم أن الأزمة عامة، أزمة ثقافة وأزمة مثقفين أيضاً. وهذه المقاربة الأولية ليست حكماً قيمياً على الثقافة والمثقفين بقدر ما هي مقاربة لواقع معيش نتلوى على جمره.
ربما كثيرون يخالفونني الرأي وهذا حقهم وأحترمه، لكنها تبقى مقاربة أولية أتمنى أن تكون تأسيسية لحوار جدي وعقلاني لدى النخب التي ما زالت تعمل وتفكر وتستنبط بتجرد عن الأهواء. وحسبي أنني حاولت.
ناجي صفا