ثقافة

لـكـي لا تنـسـى الكـوفـة تـاريـخـهـا!

موكبٌ متضّوعٌ بالمآثر– شد رحاله من نبض التاريخ العربي والإسلامي المجيد، وحطَّ على شاطئ الفرات، ليفتح بوابةً كبرى لأمجاد العقل البشري، ولتبقى واحدةً من المآثر القومية متوشّماً بمعطياته الخلاقة.
لم يكن ذلك الإشعاع النبيل، غير (الكوفة) المدينة التي بناها (سعد) القائد العربي حصناً منيعاً للعرب، ومن ثم لتصبح مدرسة الفكر العربي الإسلامي، بما أعطاه من منجزات ثقافيةٍ وحضاريةٍ أبناؤه البررة، والمستلهمون من فيض مكارمها جهابذة العِلم.
حتى أصبحت في يد سيبويه الذي غرف من خزينها العِلمي الهائل ما جعلها (مهداً متميزاً) في النحو وعلومه عبر أكثر من ألف عام، ومنها شمخ الشعر العربي بـ (مالئ الدنيا وشاغل الناس) المتنبي الذي ما زال للآن متألقاً بقصائده الخالدة في قلوب البشرية في كل أرجاء المعمورة وغيرها الكثير.
(الكوفة) مثلما كانت دًرَّةً في جبين (الإبداع الفكري) لم تزل منذ نشوئها، ملاذ الثورات والتحدي للغزاة والطامعين. هذه المدينة الخضراء، حفرت اسمها الكوفة في بطون تراثنا الجهادي والعلمي والعقائدي بوهجٍ متميّز، عليها عاش العرب المسلمون الفاتحون من أجدادنا الأبطال الأوائل، وصارت جسراً كريماً تعبر عليه حشود (النور) لمحو عتمات الطغيان من أجل بناء عصرٍ يرفل بالعدل والحكمة والحضارات والنعمة، وبين أحضانها بنى المسيحيون (ديرهم) ومعابدهم ولم يجدوا غير التسامح العقائدي مع (المسلمين الفاتحين)، الذين جاؤوا ليرفعوا لواء (السلام بالإسلام) بدون إكراهٍ ولا عقدٍ دينيةٍ متعصّبة، ولو أحصينا مواقعها الثورية الباسلة منذ أربعة عشر قرناً وإلى اليوم فسنكون بحاجةٍ إلى وثبةٍ علميةٍ تاريخيةٍ هائلة لتسطّر استذكاراتها المضيئة في معجمٍ كبيرٍ يتناسب مع عظمة الكوفة ومكانتها المرموقة.
في العصور الحديثة، عانت الكوفة (درّة العرب المسلمين) من الإهمال، ما لا يليق مع معطياتها العظيمة حتى أصبحت تستنجد بمن يعيد إليها هيبتها التاريخية والحضارية وبهاءها وزهوها، ولا بد من التذكير بمغزى الرُّقم (17هـ) لكي ينهض المعنيّون من كل الاختصاصات، العلوم، الآثاريون، المؤرّخون، الأدباء، المفكّرون، ورجال الدين من المسلمين والمسيحيين في الوطن العربي لإحياء ذكرى مرور (ألف وأربعمائة عام على تأسيس الكوفة)، وذلك أن عز الكوفة ومجدها وعنفوانها الحضاري يدفعنا لاستلهام دروس الوفاء لتاريخنا في رموزه المشرقة الخالدة. وأعتقد أن كوفة المتنبي تستحق ما تنتظره في الاحتفاء بذكرى ميلادها في كل الوطن العربي لكونها حاضرة العرب الكبرى بعد المدينة المنورة حاضرة الخلافة، وليس لعمر التاريخ حد.
د. رحيم هادي الشمخي