رحلة البحث عن الآلهة
ذات يوم كانت “أزوف” البلدة الروسية الوديعة والجميلة والتي تقع على دلتا نهر دون, ميناءً مليئاً بالنشاط والحيوية, لكن تحول مجرى النهر ترك هذه البلدة في عزلة ناعسة الأمر الذي جعل إيقاع الحياة بطيئاً, وهذا ما دفع معظم الناس للبحث عن مغامرة. وهذا أيضاً ما حدث على يد المستكشف النرويجي ثور هايردال، الذي قام قبل أكثر من نصف قرن برحلة استطلاعية مشهورة في كون تيكي. وكان يرمي من وراء رحلته التي قهر فيها المحيط الهادي, إيجاد / ازغارد/ البيت الخرافي لآلهة الفايكنغ ظناً منه أن بقايا هذا البيت موجودة في أزوف. مدفونة على عمق ثمانية أمتار أو أكثر تحت الأرض. وهكذا فإن معظم الخبراء يطلقون صفة الجنون على الفكرة بأكملها. وعلى العكس فقد كان هايردل واثقاً كل الثقة من الفكرة، فهي لم تكن وليدة اللحظة، بل تعود إلى الوقت الذي كان فيه طالبا حيث بدأت تدغدغ أحلامه. وشأنه شأن أطفال النرويج كان عليه أن يقرأ كتاب “مدار العالم” وهو تاريخ ملحمي عن النرويج من تأليف سنوري ستيرلوسون, الشاعر والزعيم القبلي الأيسلندي في القرن الثالث عشر.
تبدأ الرواية بوصف دقيق للبحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وروسيا, وبلاد يسكنها العمالقة والأقزام ورجال زرق, إضافة إلى أصناف عديدة من المخلوقات الغريبة. وإلى الشرق من أزغاريد, عاش فاتح عظيم اسمه أودين, وعندما قام الرومان بغزو بلاده, قاد عصابة من أتباعه عبر روسيا وألمانيا إلى بحر البلطيق حيث مات في النهاية بعد أن وعد محاربيه بأنهم سوف ينضمون إليه يوماً في أزغاريد, عندها بدأ الإيمان بأودين والدعوة إليه على حد قول ستيرلوسون الذي اقتفى أثر سلالة ملوك النرويج مباشرة. وفي معرض الرد على ذلك, يقول نقاد هايردال: إن نص كتاب القرن الثالث عشر لا يثبت شيئاً، ويذهب إيفن هوفد هوغن- الأستاذ في جامعة أوسلو, فيسخر من ذلك بقوله: “هذه خرافة لا يثبتها علم الانثروبولوجيا” ويوافقه الرأي زميله الأستاذ غرو ستاينسلاند الخبير في أديان النرويج القديمة قائلا: “إن ذلك يشبه الحفر بحثا عن جنة عدن” غير أن هايردال يصر على أن كل الدلائل تشير إلى تطابق كامل. ويعلل ذلك بأن الطبيعة الجغرافية للملحمة راسخة في الأساس, فلمَ لا تكون كذلك سلالة النسب؟ وقام بإجراء بعض الحسابات السريعة. ويعتبر ستيرلوسون دقيقا بشكل واسع بعد عام 800 تقريبا في أيام هوفدون الأسود ومنذ ذلك التاريخ أحصى هايردال 33 جيلا إلى الوراء حتى أودين, وقام بإجراء بعض الحسابات السريعة ووجد نفسه في القرن الأول قبل الميلاد, وهي الفترة بالضبط التي غزا فيها الجنرالان الرومانيان لوكولوس وبومبيه منطقة البحر الأسود, وكان على هايردال أن يتأكد من ذلك. ويقول: “هذه ليست نظريتي إنها نظرية سنوري أنا فقط أضعها تحت الاختبار” وفي مطلع هذا العام بدأ الحفر بحثا عن آثار أودين وأتباعه في أزوف على الضفة الشرقية لنهر دون. ويعتقد هايردال, أن اسم أزوف قد يحتوي على صدى للكلمة النرويجية للآلهة: آس, كما في كلمة أزغارد أي حديقة الآلهة. إن مساحة الطمي العميقة مليئة بقطع الآثار القديمة حيث تم استخراج العديد من الآثار الحقبة الرومانية. بما في ذلك سوار لطفل وعدة أبازيم لأحزمة, ودبوس أثري, وطلسم ذو ستة أطراف وصنفوه بأنه حيواني الشكل. إضافة إلى قطع من فخار مميزة بطلاء أسود لامع من القرن الأول قبل الميلاد. ويؤكد هايردال أن كل هذا يدل أنه على الطريق الصحيح.غير أن منتقديه يرون أن هذا مستحيل لأن بحث هايردال مبني على سلسلة كاملة من الاقتراحات الخاطئة، وفي هذا الصدد يقول كريستيان كيلر أستاذ الآثار في مركز أوسلو لدراسات الفايكنغ والعصور الوسطى: “أنه يرى فقط ما يريد أن يراه مهملا أي شيء يعترض سبيل نظرياته”. وأحدهما السجل اللغوي, فالكلمة النرويجية آس التي تأتي من أصل ألماني وربما تعني “ريح” أو “نفس” ليس لها علاقة معروفة بأزوف. لقد كان هايردال يحبُّ دائما الدخول في معارك جديدة.
إبراهيم أحمد