“سنلتقي ذات مساء في يافا”.. حكاية حب ووطن
“سنلتقي ذات مساء في يافا”.. حكاية حب ووطن
يتفق الجميع على أنها ليست المرة الأولى التي يتصدى فيها كاتبان لكتابة نص أدبي مشترك، والأمثلة الماثلة في أذهان المطلعين كثيرة، ولكن لا يختلف اثنان على أن هذه النوعية من العمل الإبداعي المشترك يكاد يكون مغامرة محفوفة بالكثير من المخاطر والصعوبات، التي غالباً ما تجعل أصحابها يرفضون تكرارها بعد الخوض في غمارها.
قداسة أرض الشام
“سنلتقي ذات مساء في يافا” الرواية الصادرة حديثاً عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب للكاتبين عبير القتال وعمر جمعة من الكتابات القليلة المشتركة كانت موضوعاً للندوة التي دعا إليها مؤخراً اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين بإدارة أحمد جميل الحسن وشارك فيها: عدنان كنفاني– أحمد عموري- نائل عرنوس- سوسن رضوان– أريج قيروط- سوزان الصعبي حيث قدم البعض منهم قراءة انطباعية أولية عن الرواية، والبعض الآخر قدم قراءة نقدية، في حين بيّن جمعة أن الرواية مشروع مشترك يحكي عن قداسة هذه الأرض، أرض الشام، ورحلة العودة المفترضة من سورية لفلسطين، وأوضح أن الراوية وعد لكل إنسان يؤمن بالمقاومة عبر الكلمة والتأكيد على حلم العودة الذي سيتحقق ولن يبقى حلماً، وأشار إلى أنه والقتال كتبا الرواية للتأكيد على أن الكاتب السوري والفلسطيني لن يكفّا عن الكتابة، وما زالا يواجهان هذه الحرب بالكلمة والعمل، ونوه إلى أن الرواية تجربة مشتركة بمبادرة من القتال وقد تصديا لها ولن تتكرر، لا كرهاً بموضوع إعادة التجربة، وإنما ليتمكن كل واحد منهما من التصدي لمشروعه الفردي، وللتأكيد كذلك على أن الصوت الحاضر في الرواية كان صوتين.
ليست تجربة جديدة
كما أوضحت عبير القتال أن تجربة العمل المشترك في مجال الكتابة ليست تجربة جديدة، وكبار الكتّاب خاضوا مثل هذه التجربة التي تم إنجازها بالنسبة لها ولجمعة في ظروف الحرب الصعبة، ولم تنكر أن الكتابة المشتركة بحد ذاتها مغامرة، فكيف إذا كانت بين امرأة ورجل وفي زمن ذكوريّ بامتياز، وهما بالأساس ليس لديهما تجارب روائية سابقة. وأشارت في الوقت ذاته إلى أن التجربة كانت ممتعة ومفيدة لها ولجمعة، وقد تشاركا في الحكاية وتشاورا وتناقشا بكل التفاصيل التي تمت كتابتها في سبيل تقديم رواية مختلفة، وتمنت أن تكون خطوتهما الأولى هذه حافزاً للآخرين، وبينت أنها وجمعة اشتغلا في الرواية على فكرة الحب والوطن لتكون سبيلهما للتنفيس عما كانا يعانيهما ويعانيه أبناء الوطن في ظل الحرب، واعترفت القتال أنهما تخوفا في البداية من هذا المشروع، إذ ليس من السهل اللقاء على فكرة وطريقة نص، ولكن حاجتهما لإنجازه كانت أكبر.
حكاية حب
أن يشترك اثنان في كتابة رواية أمر نادر في أدبنا العربي من وجهة نظر الأديب عدنان كنفاني الذي أكد أيضاً أن هناك تجارب قليلة مماثلة في الأدب الغربي لم يُكتَب لها النجاح ولا الظهور، وبيّن أن كتابة رواية بين دفتي كتاب وبقلمين هو دون شك مغامرة، ولذلك لو سأله أحد في أي مقام يمكن أن يضع هذه الرواية لقال دون تردد أنها رواية تنتمي بامتياز إلى الأدب الإنساني المقاوم، حكاية حب ارتقت إلى سدة القداسة، وحكاية وطن عانى ويعاني من قسوة التعب والفقد.. وأوضح كنفاني أيضاً أن التباين بين الأسلوبين في مسار الرواية كان واهياً جداً، حتى أن القارئ يكاد ينسى أن الرواية بقلم كاتبين إلا لمن ملك إحساساً عالياً وذائقة شفافة فإنه يستطيع بجهد أن يشعر بلمسة أنثوية هنا، وأخرى ذكورية هناك، ونوّه إلى جهود الكاتبين في ضبط كل جملة وكل كلمة كي لا تخرج عن المراد منها.
الاقتباس والثنائية
أما الشاعر أحمد عموري فقد توقف في مشاركته عند إشكالية الاقتباس والثنائية في الكتابة، واصفاً الرواية بأنها رواية الثنائية: مؤلفان ومدينتان وعاشقان، واحدة محتواها من ياسمين، وأخرى من عبق الليمون وتعبِّر عن زمنين: الحاضر والآتي، اللقاء والعودة، ونوه إلى أن المؤلفين عملا وفق قواعد اللعبة الروائية المعروفة من نسج الحدث والشخوص والزمان، وبين أن الكتابة المشتركة، وخاصة الروائية تقع في إشكاليات متعددة، حيث أن الكتابة الروائية تقدم رؤية أو أكثر، فيكون السؤال من صاحب الرؤية من الكاتبين ومن قدم الإدراك في المنجز كما هو الحال في رواية “سنلتقي ذات مساء في يافا” كما أن التعددية في العمل تنحرف بالمتلقي عن الكاتب على زخم من الأصوات والفضاءات والأزمنة المحاطة بمختلف الأبعاد الوطنية والاجتماعية والفكرية.. الخ، أما على صعيد الاقتباس فقد بيّن عموري أننا في الرواية أمام جدلية جديدة في الاقتباس اللا محدود ومن أكثر من مصدر من شعر محمود درويش ومن “مدينة الله” لحسن حميد ومن رواية “العشاق” لرشاد أبو شاور ومن روايات غسان كنفاني، ولكن اقتباس روائي من روائي آخر وتضمين مقاطع كاملة من هؤلاء هما الغرابة وعمق الجدلية –برأيه- في هذه الرواية.
رواية المكان
ووصف الكاتب نائل عرنوس الرواية بأنها واقعية بكل ما جاء فيها، يعشعش الحزن والشجن في حناياها، لكنه الحب الكفيل بشفاء الندوب، فكيف إذا كان هذا الحب ظلاً للوطن؟ وهي رواية المكان برأيه، وقد نجح الكاتبان في توظيفهما للأمكنة، حيث تقوم الرواية على ثنائية المكان ووحدة الروح، سورية وفلسطين، الحق والباطل، في حين توقفت الأديبة سوسن رضوان عند السرد البسيط في الرواية الذي يصف العشق الزلال الذي تفرع وأزهر ووصل وارفاً إلى دمشق، لتتحدث الكاتبة أريج قيروط عن صرخة الحب اللامكتملة وحلم العودة والوصف المتقن للأمكنة الفلسطينية فيها، لتشير القاصة سوزان الصعبي إلى احتفاء الرواية بالعواطف العميقة التي لا تنخرها عوامل الزمن، ولا تهزها ريح عمياء، وعن دمشق ويافا حيث الهوى الواحد.
أمينة عباس