أخـــــي
تمّام علي بركات
أراه بين الحين والآخر، يأتي في زيارة سريعة ليطمئن على أمه وأبيه، ثم يغادر فجرا مستعجلا، وهو يهم بالخروج تتبعه سحابة من سيجارته وبعض من عطره الذي يبقى طافيا في الأجواء حتى بعد مغادرته بوقت طويل، تتلفت إليه النباتات وعريشة العنب، ثم على كتفه يجلس دعاء الوالدة كشال من طمأنينة وبخور، دعاؤها المتلاحق كحبات السبحة التي في يدها “حفظك الله ورفاقك يا أمي، الله معك” تقول الأم تارة بالشفاه وتارة بالدموع.
أشيعه بنظراتي وهو خارج من باب بيت الأهل، لم يعد مجديا أن استمع إلى جوابه عند سؤاله متى سنراه مرة أخرى، “عالله” يقولها وأحيانا يلوح بيده فقط.
لم تغيره الحرب وهو واحد من رجالاتها الميامين، فما زال قلبه كقلب الأطفال وروحه كمطر، لكن قسماته صارت أكثر حدة.
يحدث أن استمع لحديث هنا وهناك يتكلم عنه دون تسمية، فالرجال يذكرون بأفعالهم، وفي أماكن أخرى أو جلسات تحدث صدفة، يتردد اسم هذا الرجل بين الإعجاب والاحترام والدعاء أيضا في حكاية من حكايات البطولة السورية المجيدة، وهناك من يتمنى لقاءه ومصافحته، أحيانا أهم بأخبارهم أن من يتحدثون عنه كنت وإياه البارحة مثلا نخوض في حديث ما مع كأس متة، وحيث يجلس يتحدث تدنو النسمات منه قليلا لتسلم عليه، لكني لا أفعل.
لا يتكلم في الحرب وهو في أتونها وفي كل يوم يرمي عليها السلاسل ليجندلها، وإن خطرت في باله فلطرفة يرويها عن صديق ورفيق سلاح، حدث أن جعل الابتسامة ترتسم على الوجوه حتى والموت يحدق بهم.
حماكم الله نسور سورية الكرام ورجالها في ميادين الوغى، أنتم من تصنعون المعجزات وتجترحون الأعاجيب دون حتى أن تتنبهوا أنكم من بكرمه تترد الأنفاس في الصدور، من يضحك الأطفال من قلوبهم لأنكم نسيتم شكل الضحكة على وجوه أطفالكم، فكل أطفال سورية أبنائكم، وكل سوري شريف نائم مطمئن في بيته، هو إما أخا لكم أو صديق غال على قلوبكم، كما في الحياة تماما.
سيأتي اليوم الذي نرفع أنخابكم فيه بيننا، ثم نحملكم فوق الأكتاف ونرقص بكم مهللين، أن لولاكم لكنا ننتظر على قوائم النزوح أو على قوائم عزرائيل.. وأيضا لن يعني الأمر لك ولمن مثلك إلا ما عناه دائما لكم، واجبكم وفقط.