ثقافة

مئة وعشرون أضاؤوا ليل دمشق “سيريتل” والفرحة الرابعة لأبطال الجيش العربي السوري وقوى الدفاع الوطني

مئة وعشرون قمرا أضاؤوا ليل العاصمة الدمشقية الراسخة كما الحقيقة أبدا، وعلى مدار يومين صحا فيهما الجو وراق الزمان، لفتية دان لهم الزمان فأطعموا الوطن من قلوبهم وأرواحهم وأجسادهم، وفتيات بلون الفرح لبسن الأبيض المنسوج من حرير حمص ودرعا والرقة وحلب والقامشلي ودير الزور وطرطوس واللاذقية وحماه ومن باقي الأخوات الأربع عشرة أيضا، وتغاوين تحت غرة الفخر في ليلة عرس جماعي مهيب وباذخ الجمال احتضنته قاعة المتنبي في فندق “داما روز” ورعته من ألفه إلى يائه شركة “سيريتل”  تحت عنوان “عَ الحلوة والمرّة” -الفرحة الرابعة 120 عريساً وعروساً من قوى الدفاع الوطني  والجيش العربي السوري-، وذلك في جزء من خطتها التي وضعتها لتكون سندا للمجتمع الذي إليه تنتمي وفيه وبه كبرت.

الحفل الذي بدأ بعد دخول العرسان بدقيقة صمت على أرواح شهداء سورية الكرام، ونشيد البلاد الذي طاف في القلوب قبل الشفاه، حضره ما يقارب الـ 600 شخص من ذوي العرسان وجيش من موظفي الشركة الراعية الذين بقوا من عدة شهور يجهزون للحفل، وثلاثة أيام متواصلة لم يفارقوا فيها المحتفى بهم، وقاموا طوال الوقت على راحة العرسان والضيوف حتى في أبسط التفاصيل، وحضره أيضا العديد من الوجوه الإعلامية والفنية والرياضية– أصدقاء سيريتل-، حيث جاء نجوم الدراما-الفنان الكبير أيمن زيدان والنجم مصطفى الخاني على سبيل المثال لا الحصر- ليحتفلوا مع نجوم الحياة بيوم فرحهم، وهذا ما حدث.
فرح امتد حتى الساعات الأولى من الصباح في حفلين منفصلين، أحياهما على التوالي الفنان السوري “حسام جنيد” والفنان اللبناني “أيمن زبيب” بالإضافة إلى العديد من الفقرات الفنية الراقصة التي قدمت لوحة فنية مزركشة بألوان الفنون الشعبية الشهيرة لكل منطقة من مناطق سورية، الرقصة الآشورية الشهيرة والدبكة، رقصة ستي وشفتك يا جفلة، وهكذا رفع الفن والفرح أنخاب الحياة، احتفاء بـ 120 أسرة سورية جديدة، ستكون حلقات متماسكة في سلسلة هذا الوطن الذي بنيناه بقوت القلوب وعنه نذود بالأرواح ولأجله سنبقى على موعد مع الفرح.
“هذا أقل ما يمكن تقديمه لهؤلاء الرجال ولأسرهم، الذين قدموا كل شيء للوطن ولأخوتهم في الوطن، شبابهم أعمارهم بعض من أجسادهم، ولم يبخلوا بدمهم على كل شبر من سورية الحبيبة” هذا ما قاله المدير الإعلامي في الشركة الراعية “علاء سلمور” عن الحفل الذي اشرف وزملائه على العناية بجميع تفاصيله من أبسطها حتى اعقدها وتابع: “اليوم نحن نحتفل بأبطال قوى الدفاع الشعبي الذين كانوا خير معين لجيشنا الأبي في رفع الموت عن سورية والسوريين، وسيريتل ببساطة تؤمن أن هذا واجبها كشركة وطنية أولا، حيث اعتنت بكل التفاصيل الخاصة بالعرس الجماعي الرابع، وفق خطة بدأتها عام 2014 تجاه هؤلاء الشباب أملا برد ولو جزء بسيط من إحساسنا بالعرفان والشكر لهم، اليوم أقمنا العرس في دمشق عاصمتنا المجيدة وبالأمس في عدة محافظات أخرى، وغدا في بقية المحافظات وعرساننا اليوم من مختلف المحافظات السورية رغبنا أن نقول لهم شكرا من سريتل”.
العرسان الذين أطلوا كالنيازك بالبزة العسكرية للشباب والفستان الأبيض الموشى بعلم البلاد للصبايا، جعلوا من هذه الليلة –ليلة من العمر كما يقال- بكل ما تحمل الكلمة من معنى لكل من حضر وشاهد إصرارهم على رفع لواء الحياة والفرح وزرع الأمل في النفوس والطمأنينة في القلوب، حتى والألم شاهد لا يخفت بريقه على أجسادهم التي بقي شيئا منها مغروسا في تراب وطن ذادوا عنه بالروح، كما وعدوه أطفالا وهم يرددون نشيده الوطني في صباحات كانت شاهدا على هذا الوعد الذي صار مثلاً سيردده الزمان عندما يدون التاريخ الحقيقة، حقيقة أن من السوريين رجالاً تلين عريكة الحديد والصوان والأبد ولا تلين عريكة كرامتهم.
العروسان “محمد وآية” حبيبان كبرا معا بين كروم القنيطرة وبيوتها الحبيبة، غادرها إلى الحرب ووعدها أنه عائد لتكون بيدر أحلامه وعاد، الفرح الضاحك على محياهما يحكي عن معنى، فتقديرهما لكونهما معا الآن يحتفلان بليلتهما الكبيرة “لما عرفت أنو محمد تصاوب، كبر حبو بقلبي، وعدني يرجع ويخطبني ووفا بوعدو” نطقت بخجل رهيف آية، أما البطل محمد فقدم كما الأبطال عرفانه لبلده وشعبه، وشكر بود عميق هذه البادرة التي قدمتها “سيريتل” والتي رأي فيها أنها مهمة جدا بما قدمته كعربون وفاء إليه وإلى قرابة الـ 500 من زملائه في الجيش العربي السوري وقوى الدفاع الوطني “الشباب الله يعطيهم العافية متل الأخوة، ما قصروا بأي شيء وكل ما طلبناه وجدناه وبكل احترام، اللي عملناه كجنود هادا واجبنا ولو قدمت روحي مو بس أيدي”.
الفنان “محمد قنوع” الذي قدم وكل من الفنانة “دانا جبري” والفنانة العريقة “أميمة ملص” والفنان الشاب “مؤيد الخراط” مونولجات تحتفل بالوطن وبرجاله وبالمناسبة، حدثنا أيضا عن ما عنت له مشاركته في هذه المناسبة المفرحة، فقال: “هذه بادرة مهمة جدا من شركة داعمة وبقوة للجيش العربي السوري بكافة مقاتليه، فهؤلاء المقاتلون الذين لولاهم ولولا عظيم تضحياتهم، لما كنا مجتمعين الآن أساسا، -يمكن ما كنا ببيوتنا حتى- من المهم أن يوجد من يفكر فيهم في هذا الوقت الصعب وبما يشغلهم ويعنيهم، وشركة “سيريتل” هذا ليس بالشأن الجديد عليها وهي تشكر على هذه البادرة الوطنية والإنسانية أولا، والتي نتمنى أن تنسحب على باقي الشركات الخاصة في البلد، حيث يوجد شركات كبرى خاصة، لكنها للأسف غائبة حتى اللحظة عن الارتقاء بالحس الوطني تجاه شعبنا وجيشنا، هؤلاء الشباب ضيعوا سنيناً من أعمارهم ومن ذويهم، منهم استشهد ومنهم من فقد أحد أعضاء جسده، وهو يدافع عنا وعن بيوتنا وأولادنا وكرامتنا، ويستحقون أن نبذل لأجلهم كل ما نستطيع، فلولاهم لما كنا ولا كان الوطن الذي نعرفه وأحببناه ببساطة”.
“كنان” الطفل ابن الأربعة أعوام، من حملته الأكف ودارت فيه الراحات في العرس، وترحمت على عيون والده وأعمامه الكلمات، هو ابن الشهيد علاء، الشهيد الثالث لأسرة سورية قدمت ثلاثة أخوة شهداء على مذبح الكرامة والوطن، واليوم أخت الشهداء الثلاثة عروس لرفيق سلاح، هم دفعوا مهر حياتها وهو دفع مهر فرحها، والدة العروس السيدة “نديمة شحادة” التي بارك الله برحمها فخرج منه “كنان- وسيم-علاء- علي سلهب” قالت وهي تشير بيدها إلى حفيدها “هدا ابن الغالي علاء، ابن قلبي استشهد بريف الشام بعد اخواتو كنان ووسيم وسمى ابنو كنان قبل ما يستشهد على اسم عمو الشهيد”، ملامح القوة والكبرياء وسمات الفخر عالية على جبين هذه السيدة التي كانت تحكي عن أبنائها وربما طيفهم يحضر خلال حديثها فتبتسم لهم والله ربط على قلبها بكرامة أمومتها للشهداء أن لا تحزن، فقرت عينها بحفيدها والوطن الذي دعت له ولأهله بالأمان ولقائده وجيشه بالنصر وطول العمر، قبل أن تطلق “زغرودة” وهي تهز بمنديلها المالح يد “نور وهاشم” ابنتها وصهرها – ابنها الجديد-.
التحضيرات الكبيرة للفرحة الرابعة والتي استغرقت قرابة الستة أشهر حضر فيها جنود مجهولون أيضا يفضلون أن تحضر فعالهم لا أقوالهم، لكن حديث ذوي الشهداء عنهم وعن قيمة عملهم جعل الحديث إليهم مهم لتكتمل هذه اللوحة بأبعادها الإنسانية والاجتماعية ومنهم السيدة “ريمان صالح” التي شاركت في التجهيز للفرحة الرابعة كما الثلاث التي سبقتها وحدثتنا بشكل عملي عن العرس الجماعي فقالت “للسنة الرابعة على التوالي سيريتل تحتفل بأعراس جماعية لأبطال الجيش العربي السوري وذوي شهدائه الكرام، أخوتنا وأبناءنا وأحبتنا ولكن هذا العرس اليوم مميز، حيث أننا اليوم نحتفل بزفاف 120 شاباً وصبية من قوى الدفاع الشعبي وذويهم، فكل من حمل السلاح ودافع عن البلاد هو في عين الوطن وسيد الوطن، وما تقدمه سيريتل هو واجبها اتجاه جيشنا الكريم بمختلف تشكيلاته العسكرية والشعبية، الذي فيه آمنت منذ ما قبل الحرب على سورية”.
العرسان جميعا حضروا عرس بعضهم البعض، فمن كان عرسه في اليوم الثاني حضر عرس رفاقه في اليوم الأول، ومن كان عرسهم في اليوم الأول حضروا وشاركوا رفاق السلاح فرحتهم في اليوم الثاني.
رجال الوطن ولو قدمنا ضوء عيوننا، لا نفيكم حقكم، شكرا من القلب لعظيم فعلكم، وشكرا لكل شركة وطنية وقفت إلى جانب وطنها في محنته الطويلة هذه.
تمّام علي بركات