ثقافة

القصبجي وأم كلثوم وتطور الجملة الموسيقية

أثار الباحث وضاح رجب باشا جملة نقاط شكّلت موضع جدل واستفسار لدى الحاضرين في محاضرته حول التطوير الموسيقي للقصبجي، في المركز الثقافي “أبو رمانة” منها: المقارنة بينه وبين عبد الوهاب من حيث التطوير، والتنويه إلى أربع أغنيات فقدت لأم كلثوم في زمن الثورة، والتعريف بإبداع القصبجي الذي لم يقتصر على تلحينه لأم كلثوم إذ لحّن لأسمهان وليلى مراد. متوقفاً عند المونولوج الأشهر لأم كلثوم “أيها الفلك” الذي كتبه أحمد رامي. وقد خصص الباحث الجزء الأول من المحاضرة لألحان القصبجي لأم كلثوم.

مطوّر الجملة الموسيقية
ولم يكن القصبجي عازف عود وملحناً ارتبط اسمه بكوكب الشرق فقط، وإنما كان مؤلفاً موسيقياً ومطوّراً، إذ طوّر الجملة الموسيقية الشرقية بشكل يحاكي العصر ونقلها من رتابة الزمن الماضي، فخلق مناخات جديدة بتعدد المقامات وتطوير الدور والطقطوقة والمنولوج والقصيدة إضافة إلى تطوير فنّ الإلقاء الغنائي، وعمل على إدخال الإيقاعات الغربية بما يخدم الجملة الموسيقية مثل التانغو والفالس، مبيّناً أن عبد الوهاب لم يطوّر في الجملة الموسيقية، وإنما وظّف ببراعة الآلات الغربية بما يخدم الجملة الموسيقية الشرقية، فهو أول من استخدم البيانو في أغنيته “الهوى والشباب” وأدخل آلة الغيتار الكهربائي في أغنية “أنت عمري” وحينما حاول التطوير وقع في مطب الاقتباس.

محدودية الإيقاعات الغربية
أما القصبجي فلم يستخدم أية آلة غربية حتى استخدامه للإيقاعات الغربية كان محدوداً بما يخدم الغرض الموسيقي مثل الفالس والتانغو. ليصل الباحث إلى أنه كان من أشهر الملحنين في القرن التاسع عشر، واستمر طيلة ثمانية وعشرين عاماً في التلحين لأم كلثوم فقدم لها (72) لحناً من أجمل أغنياتها في مسيرتها الأولى، ثم استمر معها كعازف في فرقتها، وما ساعد على نجاحه تمثله الجملة الشعرية وإحساسه العاطفي تجاه أم كلثوم التي عشقها، وبقي أسير الهوى المضني رغم عدم مبادلتها شعوره. والنقطة الهامة التي توقف عندها الباحث أيضاً أنه كان أستاذ رياض السنباطي والموجي وبليغ حمدي وحتى عبد الوهاب كان يستقي منه بعض الأفكار، لذلك كان عبقري عصره بعد سيد درويش.

رباعي كلاسيكي
تناول الباحث تدرج التطوير اللحني للقصبجي مستنداً إلى أول لحن لأم كلثوم وهو طقطوقة “إن حالي في هواها عجب” موضحاً أن اللحن كان يتناغم مع الخصائص اللحنية للقرن التاسع عشر، إلى أن بزغ نور التطوير الموسيقي لديه بعد عشر سنوات من خلال مقدمة “يا مجد، يا ما اشتهيتك يا مجد” التي تعد أنموذجاً لتطوير الجملة الموسيقية، لاسيما في المقدمة التي بدت وكأنها –كما ذكر الباحث- رباعي كلاسيكي من حيث اللحن والهارموني والبوليفوني، وهذا التطوير السيمفوني للحن نلاحظه في اللازمة الموسيقية في معالجة الهارموني كما في جملة “امتى ياربي يتهنى قلبي”، تلاه منولوج “إن كنت أسامح وأنسى الأسية” الذي عدّه النقاد –حسب  الباحث- أول منولوج يدل على تطور الموسيقا العربية ضمن ملامح الموسيقا الشرقية، وأشار الباحث إلى عظمة صوت أم كلثوم الذي يعلو على طبقة السوبرانو، وإلى تمكنها من القدرة على التعبير وعلى إيصال حالة العشق إلى المستمع وهذا أيضاً يعود إلى إبداعها.

أيها الفلك تمهل
في الأربعينيات بلغ القصبجي أوج التطور الموسيقي من خلال منولوج “أيها الفلك” الذي كتبه أحمد رامي في وداع أم كلثوم وهي على متن الباخرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء عملية الغدة الدرقية:
“أيها الفلك على وشك الرحيل/لي في ركبك الساري خليل/رقرقت عيناي/لما قال لي حان الوداع”
لقد بدأ بجملة موسيقية وانتهى بها لكن ضمن المنولوج تميز اللحن بتبدل المقامات وتتتابع الجمل اللحنية الصعبة، إضافة إلى الفواصل اللحنية حتى أنه استخدم فيها أكثر من أربعين جملة لحنية، فهذا الكم الهائل من التراكيب الموسيقية تدل على عبقريته .

تطويرالطقطوقة
وفي منحى إبداعي آخرتطرق الباحث إلى تطوير القصبجي للطقطوقة، التي كانت تلحن على مقام واحد للمذهب والأغصان، فأوجد نقلة نوعية في تلحين كل مذهب من مقام، والأغصان تلحن على مقامات أخرى كما في “يا فايتني وأنا روحي معاك” فالمذهب كان على مقام حجاز كار، والغصن الأول بياتي والثاني صبا والثالث نهاوند والرابع حجاز، ونوّه إلى الانتقال من الطبقة العالية إلى الطبقة المنخفضة.
ملده شويكاني