48 عاماً على تأسيسه قحطان بيرقدار: أسامة مجلةً لا تُنسى
يعني عيدُ “أسامة” الذي يصادف هذه الأيام الكثير لكُلِّ من يعرف هذه المجلة ويعي عراقتها وأصالتها، وهي التي كانت منبراً للكثيرَ من الكتّاب والفنّانين الكبار الذين عملوا فيها بصدق، وخاطبوا جيل الطفولة بأسلوب ينطلق من فهمهم العميق لهذا الجيل وأحلامه وميوله. من هنا يؤكد الشاعر قحطان بيرقدار رئيس التحرير أنّ العاملين في مجلّة “أسامة” على احتكاك دائم مع أرشيف كبير يحتوي أعمالَ أولئك العمالقة، ومن ثم فهناك رحلة ممتعة يعيشها الفريق يومياً تأخذه إلى الزمن الجميل فيستشعر العَظَمَة والتاريخ، ويتمنّى لو أنه كان موجوداً مع ذلك الجيل، يشاركه إبداعَ هذه المجلة الطفلية التي تركت آثارَها عميقاً في ذاكرةِ أجيالٍ وأجيال، أمّا جيل الأطفال اليوم فلا ريب أنّ مرور 48 عاماً على تأسيس المجلة يعني لهم الكثير برأيه، فهم أمام مجلة لا يمكن أن تنقطع عنهم، وقد ألِفُوها واعتادوا رؤية أنفسهم فيها، وتُقدِّم لهم دائماً ما يَعنِيهم ويلامس أحلامهم وهواياتهم وتطلُّعاتهم.
خُطى واثقة
< كيف تصف المرحلة الحالية للمجلة على صعيد ما تم إنجازه؟.
<< أرى أنّ مجلة “أسامة” في السنوات الثلاث الأخيرة تسير بخُطى واثقة طامحة على أرضية ثابتة قائمة على منهجية عمل يضطلع به شبابٌ مُتحمِّس، يربط الماضي بالحاضر، ويُوائِم بينهما، ويتطلع إلى المستقبل المشرق بعين ثاقبة، فهو يعي أن لمجلة الأطفال دوراً مهماً وفاعلاً في بناء جيل مثقف وواعٍ وذي ذائقة فنّية صائبة، وأنّ إعدادَ هذا الجيل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الصدق في التعاطي معه، ومن خلال تقديم وجبات فنية وأدبية حقيقية ومتنوعة له تجمع بين الأصالة والمعاصرة، لذلك فالمجلة في المرحلة الحاليّة تسير على نحو متوازن ومُبشِّر رغم كل الصعوبات، وتنفتح على جميع الأجيال من الفنّانين والكُتّاب، وتعكس على صفحاتها مختلف المدارس الفنية والأدبية، بعيداً عن أن أية توجُّهات جاهزة إلا ما تقتضيه توجهات الحقّ والخير والجمال وإنسانية الإنسان.
< ما الأسباب التي جعلت “أسامة” قادرة على الاستمرار والتأثير في أجيال متعددة؟
<< قُيِّض للمجلة منذ ولادة فكرة تأسيسها جيلٌ متنوع ومتجدد ورائع من المبدعين الحقيقيين والمخلصين الذين كانوا يعملون لوجه الأدب والفن، ولوجه الإبداع عموماً، ولا يعبؤون إلا بأن تصل رسالتهم الصادقة إلى جيل الطفولة، فتؤثر فيه التأثير الحسن، وتُنمِّي لديه الذائقة الفنية والجمالية والأدبية، وتُعزِّز لديه حُبَّ المعرفة والاطلاع.. لقد كانوا صادقين مع أنفسهم ومع جمهور الأطفال الذي كانوا يتوجهون إليه، فلم يفصلوا الطفل عن واقعه، بل ربطوه به بقوة وإحكام، وغرسوا في نفسه قضايا أمته المُحِقَّة، وعزَّزُوا لديه القيمَ السامية والأخلاق الفاضلة، ولم يتركوا في داخله إلا كُلّ ما هو أصيل وجميل ونقيّ ولطيف.
< ماذا عن التحديات التي واجهتها وتواجهها مجلة “أسامة” في ظل الحرب على سورية؟
<< لا ريب في أن التحديات والصعوبات كثيرة وكبيرة، ولعلَّ أوَّلها تقنين النفقات وهي حالة عامة، وتخفيض عدد النسخ المطبوعة شهرياً من المجلة، وانخفاض عدد الكُتّاب والرسامين بسبب هجرة الكثير منهم خارج القطر بمن فيهم الأسماء المميزة، وارتفاع الأسعار، وبقاء الأجور التي تُدفع إلى المتعاملين مع المجلة من كُتّاب ورسامين كما كانت، وهذا ما أدّى إلى صعوبة فائقة في استجلاب الكُتَّاب والرسامين المُميَّزين للعمل مع المجلة، إضافةً إلى ذلك فقد ساءَ توزيع المجلة كثيراً بسبب الحرب، ولم تعد تصل إلى الأطفال كما كانت من قبل، وعلى الرَّغم من كل ذلك وغيره الكثير، استطاعت المجلة الاستمرار في الصدور كُلَّ شهر، واستطاع فريق المجلة مضاعفة الجهود في سبيل أن يتطور مستوى المجلة، وأن تظهر في أفضل مضمون وأبهى حُلّة، ونحن نعمل الآن على معالجة كل هذه التحديات قدرَ المستطاع، فهذا هو هاجس الهيئة العامة السورية للكتاب ومديرية منشورات الطفل.
الأولويات كثيرة
< إلى أيّة درجة تعتقد أن “أسامة” استطاعت مواكبة متغيرات العصر لتنسجم مع عقلية طفل اليوم؟
<< يحاول فريق مجلة “أسامة” من خلال مواكبته المستمرة لكُلِّ ما يستجدُّ في عالم أدب الطفل ورسومه ومجلاته أن يدفع المجلة إلى أن تتجاوز نفسها باستمرار، مواكِبةً لروح العصر ومنسجمةً مع طبيعة طفل اليوم وعقليته، وذلك من خلال تسليط الضوء على كل ما يُهِمُّ الطفل اليوم وعَكْسِه بطريقة فنية على صفحات المجلة سواء من حيث القصص والقصائد والمواد العلمية والمعرفية والأبواب التفاعلية أم من خلال الرسوم المتنوعة، ولا يعني ذلك حالة انفصال عن التراث والأصالة، بل على العكس، ثمة حالة من المواءمة بين الأصالة والمعاصرة على صفحات المجلة، وثمّة ارتباط وثيق بالمحليّة السورية الناصعة، وبالهوية السورية الحقيقية، وبكل القيم والمبادئ السامية التي لا يُختَلَفُ عليها في وطننا. إضافةً إلى ذلك يحاول فريق المجلة دائماً إشراكَ الأطفال في صناعة المجلة، سواء من حيث الآراء والمقترحات التي يتقدمون بها إلينا أو من خلال مشاركاتهم الأدبية والفنية على الصفحات المخصصة لهم في المجلة، وفي ذلك فرصة ليُعبِّرَ طفلُ اليوم عن نفسه بنفسه دون وصاية أو تدخُّل من أحد، كما أنّ المجلة لم تكتفِ باستقطاب المواهب الطفلية على صفحاتها فقط، بل خرجت من مقرّها لإجراء لقاءات تفاعلية مباشرة مع الأطفال بهدف التعريف بالمجلّة، واستجلاب مزيد من المواهب، وثمّة أنشطة عدّة قامت بها المجلة في هذا السياق، منها زيارات تفاعلية مباشرة إلى بعض المدارس والمراكز الثقافية ونوادي الأطفال وغيرها.
< ساهم في ولادة مجلة “أسامة” عدد من الشخصيات الأدبية المهمة في سورية فكيف أثر هؤلاء في مسيرتها؟ وماذا أضافت الأجيال اللاحقة إلى هذه المسيرة؟
<< نشأت مجلة “أسامة” بجهود مجموعة كبيرة من المبدعين المميزين سواء في الجانب الأدبي أم في الجانب الفني، وقد أثّر هؤلاء الأعلام في مسيرة المجلة أكبرَ تأثير، وقدّموا للأجيال زاداً معرفياً وأدبياً وفنياً لم يبرح ذاكرة الأجيال حتى اليوم، وأسّسوا معاً بمرور الزمن مجلةً طفليةً لا تُنسى. إنَّ فريق المجلة الحالي يعي هذه الحقيقة، لذلك فإن المسؤولية الملقاة عليه كبيرة وحسّاسة وتحتاج إلى مزيدٍ من مضاعفة الجهد للمحافظة على الألق الذي تميزت به مجلة “أسامة” في عهودها الأولى، ولتطوير هذا الألق نَتمثَّلُ ونُقدِّرُ وننطلقُ مِنَ الإنجازات العظيمة لكُلٍّ من ممتاز البحرة، نذير نبعة، أنور دياب، غسان السباعي، لجينة الأصيل، يوسف عبدلكي، أسعد عرابي، وغيرهم في الجانب الفني، وسليمان العيسى، عادل أبو شنب، حامد حسن، سعد الله ونوس، دلال حاتم، بيان الصفدي، آصف عبد الله، وغيرهم الكثير في الجانب الأدبي، ونبقى منفتحين على كل الأجيال من المبدعين، فمجلة “أسامة” منبرُ جميع المبدعين تحت سماء الوطن.
< ما أهم المراحل التي مرّت بها مجلة “أسامة”؟ وما المرحلة الأشد تأثيراً في الأطفال؟
<< لا نستطيع تقسيم مسيرة مجلة “أسامة” التي استمرت ولا تزال منذ 48 عاماً إلى مراحل مُحدَّدة بدقّة، إذ ثمّة بعض التداخل بينها، ولكل مرحلة ميزاتها وإيجابياتها وسلبياتها أيضاً، بما فيها المرحلة الحاليّة مع فريق العمل الحالي، ولكنَّ فترة السبعينيات عموماً كانت مهمة جداً، فقد تأسّست خلالها هوية مجلة “أسامة” وتركت أثرها الباقي في ذاكرة الأجيال حتى اليوم، كذلك لا نستطيع إلا أن نتوقّف مليّاً عند مرحلة الأديبة دلال حاتم الّتي دامت سنوات طويلة، وكذلك المرحلة التي ترأّس فيها تحريرَ المجلة الشاعر بيان الصفدي، فقد كانت مرحلة مهمة، تتميّز بالجدّيّة والعُمق في التوجُّه إلى الطفل. عموماً لقد بذل فريق عمل المجلة في كل مرحلة من مراحلها منذ تأسيسها حتى اليوم ما يستطيعه من جُهد في خدمة المجلة وتطويرها، وقدّم رؤيته الفنية والتحريرية الخاصّة به والتي رآها مناسبةً لصناعة مجلة طفليّة تُهِمُّ الطِّفلَ وتُنمِّي وعيه وذائقته ومعرفته.
< كيف يتعامل الجيل الشاب من الكتّاب والرسامين مع هذه المجلة؟ وأيّ أثر يحاولون تركه فيها على صعيد الشكل والمضمون؟
<< تشهد صفحات المجلة وجودَ عددٍ كبير من الأسماء الأدبية الشابة، وفي الجانب الفني المتعلق بالرسم تشهد صفحات المجلة وجود عدد كبير من الأسماء الفنّية الشابة التي تبدع الرسوم المناسبة لمواد المجلة، والملاحظ اختلاف الأساليب الفنية التي تنتمي إليها هذه الرسوم. إنّ العصب الرئيس والحيويّ في مجلّة أسامة هو المواهب الشابة، فالشباب هم الذين يأخذون المساحة الكبرى فيها، ولدينا خطط ومشاريع كثيرة وضعتها هيئة تحرير المجلة في سياق تفعيل دور المواهب الشابة تنتظر الظَّرف المُناسب لتنفيذها، ومعظم المواهب الشابة المتعاملة مع المجلة تعمل للمجلة حباً بها ووفاء لها ولتاريخها العريق وكُرمى لأطفال سورية في هذه المرحلة الحسّاسة التي يمر بها وطننا الحبيب ويحاولون التعبير عن أنفسهم، كُلٌّ حسب رؤيته الفنية والأدبية لتكون مجلة “أسامة” قائمة على التنوع في الأساليب والرُّؤى، وكُلّ ذلك ضمن خطة عمل مدروسة تواكب تطلعات الطفل وتعمل على بنائه إنسانياً ومعرفياً وفنياً وأدبياً ووطنياً.
< في كل مرحلة من مراحل المجلة كان لدى المسؤولين عنها أولويات، فماذا عن أولوياتك فيها في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها بلدنا وأطفالنا؟
<< مع مجلةٍ كأسامة كثيرةٌ هي الأولويات، ولعل من أهمِّها الاستمرار في الارتقاء بما يُنشَر فيها من نصوص ورسوم، مع المحافظة على التنوع والتجدد وعلى اللغة العربية، وربط ماضي المجلة بحاضرها، والعمل على إعادة الرونق القديم للمجلة بين قُرّائها، وهذا يتطلب الكثير من الجهد والوقت.
كذلك من الأولويات النظر في مسألة توزيع المجلة وضرورة وصولها إلى أكبر شريحة ممكنة من أطفال سورية، وقد وضعنا نصب أعيننا شعار “أسامة بيدِ كُلِّ طفلٍ سوريّ” إضافةً إلى ذلك نعمل على التَّشبيك مع كلِّ الجهات المُهتمّة بالطفل في سورية، ابتداءً بوزارة التربية ومن خلفها المدارس لنتمكن من زيادة عدد النسخ المطبوعة شهرياً وزيادة عدد الصفحات ولنضمن وصول المجلة إلى معظم الأطفال، كما نعمل على إصدارات إلكترونية من المجلة تنفيذاً لخُطط تم وضعها مسبقاً، وقد كانت البادرة الأولى إطلاق الألبوم الإلكتروني التفاعلي الناطق الذي يحتوي أبواباً من المجلة وبعض القصائد التي نُشِرت فيها ملحنةً ومؤدّاة، وقد تمَّ إطلاقُه في حفل أُقيم في مكتبة الأسد الوطنية في شباط 2016 بحضور السيدين وزير الثقافة ووزير التربية.
< ما هي طموحاتك في المرحلة المقبلة لنقل مجلة “أسامة” إلى مرحلة أُخرى في مسيرتها؟
<< الطموحات كثيرة وكلها تنطلق من أهمية وجود مجلة موجهة إلى الأطفال في بلدنا، بل مجلات متعددة، فهذا الأمر يعطي صورةً حضاريةً ولا ريب، وهو ضروري جداً لجيل الطفولة، فالطفل لا يمكن أن يأخذ الثقافة من المدرسة فقط، بل علينا أن نضع بين يديه مختلف الوسائل التثقيفية، مع إرشادنا وتوجيهنا من أجل أن نخلق طفلاً واعياً مثقفاً، فالمدرسة قد تقدم لنا الطفل المتعلم ولكن ليس بالضرورة أن تقدم لنا الطفل المثقف، ومن هنا يجب إيلاء مجلة “أسامة” المزيد من الرعاية والاهتمام والنفقات، ويجب توسيع الكادر العامل فيها وفق التخصص المنهجي المدروس، وأن يكون لها مقرّ مستقلّ يتضمّن كلَّ ما يجب أن يتوافر في مجلة طفلية عريقة كأسامة، بحيث يكون هذا المقرّ بيتاً للطفل السوريّ ومُجهَّزاً بكل الأدوات والوسائل اللازمة، يقصده الطفل بهدف الاطلاع والتعلُّم وتنمية الذائقة الأدبية والفنية، ولعل الحقيقة التي تجب الإشارة إليها هي أن مجلة “أسامة” الآن تصدر بإمكانيات بسيطة، وبمعاناة كبيرة يحتملها فريق العمل ويتعايش معها انطلاقاً من حبه لهذه المجلة وتقديراً منه للعراقة والتاريخ الطويل الذي تتميز به، لذلك فإن فريق المجلة يرى أنه يقوم بواجب وطني كبير يعتز به، ولا يَمُنُّ به على أحد، بل يقوم به بحُبٍّ وتفانٍ وإخلاص لوطننا الحبيب سورية ولأطفالنا الأحبّة.
أمينة عباس