ثقافة

لا ذنب لكِ أنك جميلة.. ولا ذنب لي أني أحبكِ

قيل في الحب الكثير، ولكن لا أحد من العشاق وأهل الهوى أوجد تعريفاً جامعاً مانعاً شاملاً للحب. وقد سطر الشعراء والهائمين والمتيمين على مر التاريخ أروع الملاحم والقصص دون الوصول إلى بر معه وسلام. على أن أجمل ما في الحب أن تحب حبيبكَ كما هو، لا كما تريده أن يكون. وبقناعتي عندما تقول لمن تحب لو أنكِ ياحبيبتي كنتِ … أو عندما تقول الحبيبة لو أنكَ ياحبيبي كنتَ … فإن هذه الـ “لو” في الحب هي من عمل الشيطان، ساقطة ومحرّمة في قانون الحب وممنوعة ومحظورة في دستور المحبين وأهل الهوى. فمع من نحب لا وجود لتلك الـ “لو” الشرطية .
من صفات الحب وخصائصه عدم القبول بإملاء الشروط. أو تفهم ظروفكَ وظروف من تعشق وتهوى، إذ ليس من طبعه التماس الأعذار والمبررات، إنه ديكتاتوري الهوى والسيد الآمر علينا والناهي، فهو يباغتك ويحتل مدن قلبك دون موعد أو استئذان ، ثم يقول لكَ: ها أنذا قد جئتُ هدية لكَ وفرصة، فإما أن أكون أو لا أكون.
ومن مزايا الحب وأسراره أن عين المحب ترى من تحب وتهوى الأجمل والأفضل. لاغرو في ذلك، فإنها عيون القلب. وأنا مازلت من القائلين: إذا كان للرأس عينان، فإن للقلب عيوناً ترى مالا تراه العيون انسجاماً مع رأي شاعرنا القائل:
وعين المحب عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساوئا
حين نحب نعتبر القسوة دلعاً، وقلة الذوق غناجاً، والإهمال دلالاً، وحين نكره نعتبر الطيبة نفاقاً، والعطاء تهافتاً وكذباً، فالعاشق يرى محبوبته أجمل امرأة في الدنيا، وهو مصيب في نظره، فلم يجبره أحد على قول ذلك، بينما هي في الواقع ليست أجمل امرأة في الدنيا، لأنه ليست هناك “أجمل امرأة في الدنيا”. والعاشقة ترى حبيبها أوسم رجل في العالم، وهو ليس كذلك بالتأكيد، ولكنها ليست في معرض تبرير كلمتها، فهي تقولها لأنها تشعر بها ومقتنعة بها.
وقد دلت الدراسات والأبحاث وبينت أن الرجل يرى المرأة التي يحب أجمل من حقيقتها بست مرات على الأقل. وقد عرفتُ حالات وجدتُ فيها عين العاشق ترى من تحب أجمل بمائة مرة من الحقيقة
وبحسب “غوار الطوشة” الذي غنى لمعشوقته “فطوم”: “بعيونكم لا تشوفوها لك شوفوها بعيوني”
ومن أشهر العشاق العرب قيس بن الملوح، كان يرى حبيبته الأجمل بين النساء، والروايات كانت تقول غير ذلك. ولكن لا أحد على مر التاريخ ناقش هذه القضية. وجولييت شكسبير قتلت نفسها حباً بروميو، ولم يلم أحد منا شكسبير، وجميع من قرأ المسرحية اقتنع بأن روميو كان يستحق أن تنتحر جولييت من أجله، وكانت تستحق أن ينتحر روميو من أجلها، فحين يحب الرجل يرى من يحبها الأجمل بين النساء، فإن كان ذلك ضرباً من الظلم فلا يهم، فذلك من سمات الحب وعلاماته، لأن الحب يجب أن يكون في حالة انحياز وأن يكون غير عادل، وربما يجب أن يكون الحب في كثير من حالاته أعمى، لكنه: “حامل الهوى تعبُ يستخفه الطرب إن بكى يحق له ليس ما به لعب” ولن يرى ويسمع إلا في عيون القلب.

سامر العطري