ثقافة

أبديٌّ.. حبك وشمسك دائماً “مضوية”

لا جدوى من الغرق في تفاصيل ذاك الظلام، هكذا أوصتني مراراً حبيبتي التي حضنتني منذ يراع شهقة الحياة في ضلوعي، فحرست وصاياها في حنايا القلب ورياحين الروح، نثرت عبقها بين طيات الورق حتى صارت لغزاً في فم السؤال من هي تكون ومن هي صاحبة الإكرام.
أودعتني هويتها، وأودعتها كامل نبضي انتماء إلى معابد قداستها، وسرت إليها وبها أحملها وتحملني بكامل ذرات دمي الغارق بعشقها بلا انعتاق، فراشة صنعتني أهمس كلماتي بترانيمها الغناء، قديسة حب أدندن باسمها سيمفونية ربيعية لطهرها بقاء يرتقي ببقاء.
صارخة إليها بكل فتاوى الصلاح بهيام دافق بي إلى نهرها، إلى قاسيونها، إلى غوطتها إلى جبلها وسهلها وبحرها إلى كل جزيئاتها والأجزاء، لحظة بلحظة، أمشيها على سنن أولادها الصالحين الشعراء والأنبياء، بطريق يقود أنفاق عتمتها إليها، سلاحي الشعر والكلمات، لغة تستحقها، لغة الملائكة في المناجاة، لتضيء أوتار قوس قزح الفرج لها صاعدة بها سماوات السماوات.
أغسل بمطر دمعي لها وعليها تجاعيد الأنفس ووعورة المسافات، لأحضنها لأحميها من العوسج الشائك بمدائنها، لأحررها من كيد النفاق وزهاق الأقاويل وأقنعة الوحوش السود، الغزاة الذين حاولوا بغراب نعيقهم أن يقتحموا جلالة رحمها ويعيثوا بها الفحشاء.
أحتضن طيف اسمها أناجيها ترتيلة الصلوات، أنتِ في قلبي انهضي وستنهضين لا قيمة أبداً لكل هذه الخرافات، ولا جدوى  من ذاك الغبار.
هناك.. هنا بك في آونة الفاجعة، حيثما اعتادت الشمس يا حبيبة، آن تشرق بك على وتيرة الركام، تحاول أن تلقي تحية الصباح على ذئاب المآذن وقطاع طرق الأماكن مستبشرة بخير الفلاح، لترد عليها ريح ثكلى تهب بوجه الأسماء، صارخة بها أن الفناء لغتي، وآن تشرقين بوهجك يعني أني بطريقي لأمحو ندى الشفاه التواقة لاسمك، وأشعل  بك ألسنة نيران الهباء، فهاهي رؤوس الأطفال، وأنياب القذائف وشعوذة البنادق، والقمح المهمش، وخواتم البطش كلها أدواتي أنا الريح لتبديد كل أنوار الرجاء  في خضمك.. آه وآلماه وألمك النازف بي حد العناء.
هاهو ذاك حبر الشآم شآمك يخطف منه عطر الشهيد، يثمر حقولاً من مشردين وقتلى وجراح، فما تفعلين أيتها الوارفة بين النفس والنفس، بين الرمش والهدب، بين كل عناوين المعاني ولغتها، بين الأبجدية من ألفها إلى الياء؟. ما الحل وأنت أمام هذا الاحتضار حاضرة، وماذا أنت صانعة بشعاع وهجك الفواح؟.
صمتت شمس حبيبتي صمت العارفين، دعتني إلى أن أتأمل إلى قمر الكلام، لأرى أجراماً في ملكوتها تشع بالسلام.
إذاً لا فائدة من تلك الخرافة التي هيجت الريح دروبها، وأقامت بوارجها فوق الغيوم في علائها وفي صهيل الحمام، فلن تتمكن عواصفها الجنونية من النقش على بواطن النهارات لا بعماماتها ولا بسيوف حربها الشعثاء، ولن تستطع تحديد المسارات، لأني معك وبك كائنة أصحو لأجلك برائحة بخورك السماوي، أزف أسرارك معلماً معلماً، ومدينة مدينة، لعرس من ياسمين الخلود يزهق كل باطل، ويلبسك غواية الحق بنوره، واسمك روعة الأسماء، فكل شيء يا حبيبة زائل، كل هذا الكفر بك زائل إلى المحال، فصبراً يا حبيبة صبراً، فلا يقين لك ولي سوى الحب، الحب هو الدواء.
ها أنا أقلّب شريط الصور المتقطعة الميول والذواكر والمواقيت والأهواء، عند عتبات كل غروب بك، لطفل، لامرأة، لوردة، لحجر، لشهيد، لمراسم النداء، لأرى ما أرى كيف ابتلَت العروق بأمواج الدماء، فأزفر أنفاس القادم بين يدي الصلوات، ترن في رأسي تعويذة زنوبيا، شهقة أوغاريت، حوران، وبردى، كنائس معلولا وأديرة المعلقات، في أرضك أرضي التي كانت ومازالت من صنائع الإله والمعجزات، وتحت سماوات دمشق الحنان ورمز الحرائر، يهب وجه القباني والخوري يعانقه سعادة ويكاتبه العظمة، وسلطان الأطرش (باشواتنا) الأحرار، ينثرون وصاياهم صارخين لي، لك، لا حل فيك ولي سوى الحب، الحب هو الدواء،  بينما أنا أنشغل  بسرد للتاريخ لرواية عشق لم يعرفها إنسان مثلما عرفتها، اسمها اسمك (سورية) خلقت فيها وبها ولأجلها وعشتها بها كل الحيوات، وبكل عشقي الباذخ، أتلو سورة الفجر لغدك، فلا اسم إلا اسمك، ولا يقين سواك، أنت الحب ومبتدأ الأيام بوطن بحجم هذه الأكوان، يلغي لغة الحرب والدم، ويرسم صورة الله بتقوى العشق لك وحرية الأنسام، ليبقى اسمك وشمسك (مضوية) قبل البدء.. قبل الحياة.. وبعد الممات.. سورية.. حبيبتي.
رشا الصالح