ثقافة

فؤاد دحدوح.. استعادة الألق للفن التشكيلي السوري

قبل الحرب على سورية بسنوات قليلة شهد المشهد التشكيلي السوري حالة من التراجع والترهل خاصة في مستوى العروض التي تقام في الصالات الخاصة، كما تراجع إقبال بعض المقتنين للوحة على شراء الأعمال الفنية قياسا لسنوات قبلها، ويعتقد البعض أن سبب ذلك تراجع سوق اللوحة العالمي وتخلف أدوات الفنان التسويقية والإدارية، مما حدا بالبعض لفتح قنوات جديدة،  وخاصة أصحاب الصالات الذين يملكون القدرة المالية وثقافة الترويج، والعمل على تعزيز نجومية بعض الفنانين الذين يتم الاتفاق معهم بصيغة الاحتكار أو الاتفاق بصيغة العقود لفترة محددة.

هذا الأمر دفع لتقدم عدد من الفنانين إلى الواجهة، وفرض الشرط التسويقي نفسه كمعيار تقييمي للأعمال الفنية، وبالتالي أصبح واضحا دور مالكي الصالات في طرح ذوق جديد حسب السوق والموضة وثقافة أهل المال والسوق السياحية في الدول النفطية، فكانت النتيجة أن أتخمت الحصيلة التشكيلية بكم كبير من الأعمال التراثية الساذجة والسطحية، كما ظهرت إلى جانب ذلك الكم أعمال تنشد النزعات التجديدية ذات صبغة تغريبية وغرائبية في المنتج التشكيلي بحجة التجديد أو الحداثة، وغاب عن ذهن البعض أن الفنون الجميلة والصافية الينابيع هي الأكثر صمودا وألقا، وستبقى ذات قيمة مع مرور الزمن، وأن الفن  التشكيلي السوري له ملامح واضحة تميزه عن سواه من فنون، مثلما تتميز فنون البلدان الأخرى مثل مصر والعراق والمغرب العربي.
ومناسبة القول في المجال الترويجي هنا توفر الفنان المجّد والمتمكن وتعاون أصحاب الصالة اللائقة بفنه وامتلاك إدارتها فطنة المراهنة على هذا الفنان المعروف بقدراته الكبيرة، وهذا الأمر قد حصل في فضاء صالة جورج كامل في دمشق، التي واظبت على نشاطها خلال السنوات الخمس الماضية بنهجها أسلوباً مغايراً عن المعارض الدورية، فقد أنشأت الورشة المستمرة لإنتاج اللوحة بمشاركة عدد من فناني الصالة، منهم الفنان غسان السباعي قبل رحيله وفؤاد دحدوح وآخرين.. وفي هذه الأيام توج هذا التعاون بالمعرض الفردي للفنان فؤاد دحدوح الذي قدم الدهشة كاملة  في الافتتاح الذي يليق بالفن السوري وجمهوره، من خلال 16 لوحة مشغولة بعجينة اللون المشبعة بالفرح والجمال والقيمة التي يعيشها هذا الفنان المتنوع، وهو النحات المتميز وصاحب أعمال “الروليف” المتقنة، كما هو الإنسان الدمث والمتواضع والممتلئ بالخصوصيات الجميلة. يطل في هذا المعرض مصورا يدرك قيمة اللون والضوء، ومعالجا لسطح اللوحة المشبع بالحيوية والموسيقى، وبالمتجاورات المتآلفة من خطوط ومساحات لونية متراكمة، وكأن الرسام هنا يبحث عن متعته المأخوذة بتوقعات ما تراه العين من بذخ المعالجة والروي التشكيلي المسؤول عن القيمة واحترام عين المتلقي، وثقافة اللوحة التشكيلية ودورها بين الثقافات البصرية الأخرى، فقد أعاد للمشهد التشكيلي ألقه وأعاد الثقة لجمهور الفن التشكيلي الدمشقي الذي أنهكته التجارب الفاقعة والعبث.
أجزم أن هذا المعرض يحمل من مقومات الفن الأصيل ومن التجاوز المبدع الكثير، وإن ما أنجزه الفنان دحدوح له من الأثر المعزز للحياة والفوز على يوميات يعيشها إنسان هذا الوقت الذي أنهكته الحرب والسعي وراء حاجاته الأساسية “ماء – غذاء – دواء – أمن..” رغم المعاناة فرض الجمال حضوره البهي، وأيقن العديد من الحضور أن الفن حاجة عالية ومتوفرة في زمن صعب يمر به الوطن، وذلك بفضل مبدعيه وفنانيه، والفضل الأبهى لدماء أبنائه الشهداء الذين جعلوا من هذا الجمال ممكنا ولائقا بالحياة ومتاحا للقلوب العامرة بالحب.
أكسم طلاع