حسام تحسين بيك.. مسيرة فنية حافلة بالالتزام
بدت الندوة الحوارية التي خُصصت لغنائيات حسام تحسين بيك في المركز الثقافي في –أبو رمانة_ التي يقيمها الناقد الإعلامي ملهم الصالح أشبه بتظاهرة ثقافية وقف فيها الحاضرون على الأدراج رافضين العودة بعد أن ضاق المكان يصغون إلى كلمات “أنا سوري يانيالي”، مما يدل على محبة الجمهور السوري للشخصيات الفنية والثقافية التي أغنت ثقافتنا المعاصرة، ويشير إلى نجاح أسلوب اللقاء المباشر مع الفنان في حواريات مشتركة ومفاجآت تسجيلية من قبل المعدّ بعيداً عن الوسيط المتمثل بوسائل الإعلام.
الفنان الشامل
استهل الناقد الإعلامي ملهم الصالح الندوة بعرض ريبورتاج تعريفي بالفنان تحسين بيك منذ ولادته في حيّ العمارة وسكنه بالحريقة، وانتقاله إلى العفيف ومن ثم إلى المهاجرين ودخوله عالم الفنّ بالمصادفة بعد أن أعلنت وزارة الثقافة مسابقة للانضمام لفرقة أمية، فتدرج في سلمها من متدرب إلى راقص إلى صوليصت إلى مصمم لوحات. وفي عام 1970 دخل التلفزيون مما شكل بوابة عبور لاحتكاكه بالشخصيات الثقافية والفنية من خلال لوحاته الاستعراضية، كما صمم أغلب اللوحات الاستعراضية الرياضية في سورية، وفي عام 1974دخل عوالم التمثيل ليزيد أرشيفه عن مئة عمل، وشارك بأغلب أعمال البيئة الشامية والكوميدية والاجتماعية، له مشاركات بالسينما والمسرح أهمها: غربة ، كاسك ياوطن،شقائق النعمان، والسقوط. كتب ولحن للوطن والإنسان والشام ضمن قوالب عدة للمقطع الغنائي والأغنية والأوبريت والاسكيتش، والمنولوج حتى لقب بالفنان الشامل.
اعتمدت الندوة على التوثيق البصري بعرض ريبورتاج تعريفي عن تحسين بيك، والعودة إلى الذاكرة باسترجاع مشاهد من بعض الأعمال الدرامية التي شارك فيها، والمفاجآت التي يقدمها الناقد الصالح من خلال الرسائل الصوتية.
الحفاظ على التراث
المحور الأول الذي ناقشته الندوة هو الحفاظ على تراثنا المحلي، ودور الغنائيات بتوثيق التراث الشعبي لاسيما بعد أن أصدرت جامعة الدول العربية منذ سنوات بياناً بحفظ التراث بعد محاولات إسرائيل سرقته ونسبه إليها، ليتحدث تحسين بيك عن الأغنية السورية وضرورة الحفاظ على هويتها وحفظ التراث الشعبي، وأشار مدير الندوة إلى الألبوم الوحيد الذي أنتج للفنان وتضمن ست أغان من كلماته والحانه وغنائه.
الغنائيات والدراما
وأخذت الغنائيات حيزاً من الندوة لاسيما من خلال توظيفها في الدراما للتركيز على مشهد معين وترسيخه بالذاكرة من خلال مفردات الأغنية، فعرضت مشاهد من أجمل عمل عبّر عن مفردات البيئة الشامية بصدق “أيام شامية” للمخرج بسام الملا، فعلق تحسين بيك بأن أيام شامية هو العمل الذي يشبه البيئة وما أتى بعده لايشبهنا، ليخلص إلى جمالية اللهجة العامية المحكية المنتشرة على مساحة الوطن العربي، وتتم بها دبلجة الأعمال الدرامية التركية وغيرها في الوقت الذي فشلت فيه هذه الدبلجة بلهجات الدول العربية الأخرى.
علاقته بعائلة البندلي
ومن غنائيات الدراما إلى الغنائيات التي كتب كلماتها ولحنها تحسين بيك بشكل منفصل كلون غنائي خاص مثل عدة أغنيات غناها الفنان مصطفى نصري وأشهرها”يا خالي” و”أصوغوك بالذهب”، لينتقل الإعلامي الصالح إلى علاقة تحسين بيك بعائلة البندلي إذ كان سبباً مباشراً بشهرتهم من خلال أغنية”نتالي” التي غنتها “دورا بندلي” وأغنية “غزالة” التي غنتها أختها “ميشلين” لكن هذه العلاقة الفنية انتهت بخلاف حاد بعد أن رفض تحسين بيك بيع أغنياته ولم يأخذ أي مال منهم، وباعت عائلة البندلي الأغنيتين إلى التلفزيون العربي السوري، لكن كما قال تحسين بيك أوقف آنذاك الفنان سليم صبري عقدهم، وحاولوا إعادة العلاقة معه مراراً لكنه رفض، فكانت مفاجأة المقدم برسالة صوتية لروجيه بندلي باسم عائلته يوجه تحية إلى الفنان الكبير تحسين بيك ويشكره على التعاون السابق، ويشيد به لعدم مغادرته سورية في هذه الأوقات، إضافة إلى توجيه رسالة إلى سورية التي ستظل شامخة دائماً، والرسالة الثانية من دورا بندلي التي أعادت توزيع أغنية “نتالي” وغنتها ليسمعها تحسين بيك والجمهور.
ورغم ما قيل يبقى الالتزام موقفاً وهذا من أخلاقيات تحسين بيك الذي اعترض على بيع أغنياته. ومن التعاون مع فهد بلان بالأغنية الأشهر”أنا هويتك” والنجاح الذي حققته، إلى التعاون مع موفق بهجت بعدة أغنيات أشهرها”جايتني مخباية” ليفاجئنا المقدم برسالة صوتية من الفنان موفق بهجت المقيم حالياً خارج القطر والمتصفة بمشاعر الشوق واللهفة إلى سورية موجهاً تحياته إلى الوطن، وإلى الفنان تحسين بيك الذي تربطه به صداقة منذ أكثر من خمسين عاماً، ووصفه بالفنان الشامل الذي ارتبط اسمه بسورية.
وقد شارك تحسين بيك بكتابة المقاطع الغنائية لمسلسل “العبابيد” وتدريب الجيش على القتال، وتصميم اللوحات الراقصة وتعاون موسيقياً مع الموسيقار سعد الحسيني الذي اضطر إلى تصنيع بعض الآلات لإظهار الصوت المطلوب، وكانت مفاجأة المقدم الثالثة رسالة صوتية من سعد الحسيني أشاد فيها بالفنان وقال”كان لي الشرف أن أعمل مع قامة فنية كبيرة حسام تحسين بيك”.
ومن توظيف الغناء بالدراما إلى المسرح وبالتحديد مسرح دريد لحام وعلاقته بتحسين بيك لاسيما بشقائق النعمان التي حفلت بمقاطع غنائية كتبها تحسين بيك والأغنية الشهيرة التي غناها الفنان الكبير دريد لحام من كلمات تحسين بيك” لولو لو” ونوّه المقدم إلى أنه كان من المقرر حضور الفنان دريد لحام لكن منعه أمر طارئ.
العمل الهام الذي تصدى له تحسين بيك بعنوان” فنّ سوري” وقُدم في نهاية عام 2015 على مسرح الأوبرا كان حاضراً في الندوة، وتحدث عنه تحسين بيك بأنه طال الأزمة السورية وتبعاتها ومعاناة المهجّرين إضافة إلى لوحات اجتماعية وأسرية، فاستضاف المقدم المايسترو عدنان فتح الله الذي تحدث عن سعادته مع العازفين الأكاديميين بالتعاون مع القامة الكبيرة الفنان حسام تحسين بيك، وتابع: استفدنا منه فنياً وموسيقياً وربما اختلفنا على موضوع الأوزان لكننا في النهاية توصلنا إلى صيغة نهائية.
وحاولنا مع الفنان تحسين بيك أن نضيف شيئاً إلى المكتبة الموسيقية من خلال هذا العمل الموثق أكاديمياً.
المنولوجست
كما استضافت الندوة الفنان رياض مرعشلي الذي شارك بلوحات غنائية في العمل ذاته وتحدث عن تجربته مع الفنان تحسين بيك، وغنى مقتطفات للجمهور وهو يعزف على العود، كما حضر أيضاً الطفل الموهوب عبد الرحيم الحلبي الذي شارك في العمل بـ “بياسامعين الصوت”.
علاقته بأسرته
المحطة الأخيرة بالندوة كانت مع ابنته الفنانة ندين تحسين بيك التي تحدثت عن علاقتها الحميمة مع والدها، والتوازن الذي أوجده مع والدتها لنجاح حياتهم الأسرية التي لم تخلُ من الصرامة، وعن الصفات الإنسانية التي يتحلى بها وعن تواضعه وكرمه ومحبته للناس وعن فنّه، واصفة إياه بأنه شخص لن يتكرر. كما أجابت عن أسئلة المقدم المتعلقة بتجربتها التمثيلية والإخراجية. وتابع الحديث ابنه الفنان راكان تحسين بيك الذي رفض دخول عالم التمثيل عن طريق والده، خوفاً من أقاويل تشوّه صورته بأنه أدخل ابنه إلى التمثيل، وأشاد بجمالية موهبة التلحين عند والده.
وفي نهاية الندوة تمّ تكريم الفنان تحسين بيك من قبل السيد معاون وزيرالثقافة علي المبيض، ومدير ثقافة دمشق حمود الموسى ومديرة المركز السيدة رباب أحمد.
ملده شويكاني