دور صفحات التواصل الاجتماعي وإشكاليات النهوض الثقافي
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي الضيف اليومي لكل بيت، والوسيلة الأسهل والأقرب لقلوب وعقول الناس، بل إنها غدت الرفيق الدائم للجميع بدون استثناء، ولم يعد يخفى على أحد حقيقة دورها بشقيه (الإيجابي والسلبي) على مفاصل الحياة المختلفة، ليقف الإنسان على مفترق طرق في تعامله معها، فوحده يمتلك القرار الأخير بانتقاء أي الدورين يشاء، وتحت عنوان (دور مواقع التواصل الاجتماعي في النهوض الثقافي والمجتمعي) أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب الجلسة الثانية من لقاء “إبداع على مقام الوطن” تناول فيها محاور مختلفة متعلقة بسمات مواقع التواصل الاجتماعي وخفايا كل ما يتعلق بها.
مكتبة متنقلة
بدأت الجلسة بحديث الإعلامي حسين الإبراهيم المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي والذي أشار إلى أنه في الماضي كنا نذهب لشراء الصحف والكتاب، وكنا نبحث بجد عن مراكز التدريب والخدمات الخاصة وكذلك الجامعات، أما اليوم فقد أصبح كل شيء يأتي إلينا في أي مكان بدون أي جهد، ولم نعد بحاجة إلى طرود الكتب، لافتاً إلى اختلاف الواقع الصحفي بين الماضي والحاضر، معتبراً أن فيه من السلبية الكثير سواء في تداخل المعلومات والأخبار وقلة المصداقية في بعضها، ولكن مع القدرة على التفاعل اللحظي مع الحدث والحالة والآنية والسرعة في نقل الأخبار، وأضاف أن ما يساعد على زيادة الإنتاج الصحفي وغزارته وآنيته هو الهاتف المحمول الذي أسماه الإبراهيم بمكتبة إلكترونية متنقلة تسهم في استحضار المقالات الصحفية والكتب الإلكترونية، وعرّج على ما يسمى الرواية التفاعلية وحوار الثقافات التي بات مفتوحاً وأكثر سهولة.
قرية صغيرة
من جانبها تساءلت الشاعرة طهران صارم عن نسبة المصداقية في العالم الافتراضي الجميل المختبئ وراء لوحات المفاتيح الثلاثة، لافتة إلى أن العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة ساهم في تعدد نماذج الثقافة، وأصبح الكاتب قادراً على الاطلاع على تجارب ثقافية متعددة، وساعد على التفاعل المباشر بين الأدباء والجمهور وتلقي ردود الأفعال مباشرة، كما حرر الكاتب من قيود النشر فهو أقل تكلفة مادية وأكثر حرية في التعبير مع توفير للوقت ونوهت أنه بناء على تجربتها الشخصية فقد أمنت لها المواقع فرصة في الانتشار خارج القطر وإطلاع بعض الأدباء على تجربتها والتواصل معها عبر هذا الفضاء وتم ترجمة بعض قصائدها للغة الروسية.
فوضى ثقافية
وعرجت صارم على مخاطر وسلبيات تلك المواقع بالقول: انتشرت الكتابة بشكل سطحي مع تدني مستوى اللغة، وتراجع دور النخب الثقافية، مما يقود إلى فوضى فكرية وثقافية ويؤدي إلى انهيار الدور الثقافي وتراجع القيم، مضيفة أنه تم تكريس مفهوم (أدب الفيسبوك) المعتمد على ومضات شعرية هي مجرد صف كلام، كما طرح البعض أنفسهم كأدباء، ناهيك عن انتشار السرقات الأدبية والخلط بين الحياة الشخصية للكاتب وما يكتبه.
إعلام الكتروني
بدوره أشار مدير موقع دمشق الآن وسام الطير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تلق الاهتمام بالبداية من دول محور المقاومة، مما ساعد على استغلالها من أنظمة معادية لمحاولة إسقاطه، موضحاً أن الإعلام الالكتروني دخل إلى سورية بشكل حقيقي في عام 2011 مع بداية الأزمة، وكان ضعيفاً في البداية بمواجهة الماكينة الإعلامية المعادية، إلى أن تم اتخاذ قرار حكيم من قائد الوطن بفتح مواقع التواصل الاجتماعي أمام الشباب السوري لإيمانه بقدراتهم، وقد استطاعوا الصمود أكثر من الطرف الآخر، وتم تحقيق صعود للإعلام الوطني الإلكتروني. ولفت الطير إلى أن الدولة كانت ضابطة للإعلام بشكل كلي، ولكن مع الإعلام الالكتروني لم يعد هذا التحكم متاحاً، وفيما يخص تجربة فريق “دمشق الآن” التطوعي أوضح الطير أنه ظهر في الأزمة كتجربة من مجموع التجارب التطوعية الموجودة ومر بمراحل زمنية كثيرة، لكنه أصبح يتصف بالحرفية والمهنية وهو صفحة لكل السوريين على اختلاف أرائهم ونموذجاً جيداً وجسر تواصل بين الشارع السوري والجهات الحكومية.
محاكاة وانتقاء
وكان للطب النفسي والاجتماعي رأيه في مواقع التواصل من خلال الاستشاري النفسي الاجتماعي محمد عبد اللطيف علي الذي ركز على دور الإنسان في مواقع التواصل الاجتماعي وليس العكس قائلاً: يمتلك الإنسان حاجة للدخول للمواقع، وعلينا معرفة تلك الحاجة، وكيفية إشباعها، فالموقع لن يلعب دوراً إيجابياً أو سلبياً إلا بناء على إرادة الإنسان نفسه، فالإنسان هو من يقوم بالدور من خلال المحاكاة والانتقاء، ولذلك يجب معرفة دوره في هذا العالم الافتراضي، فالعنصر البشري هو المحور، وهو من يستطيع محاكاة ما يقدمه الإعلام بطريقة جميلة بعيدة عن السلبية.
خفايا المواقع
من جانبه أشار المخرج حازم بخاري إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت الباب أمام أحداث كثيرة نقلتها إلى عالم الضوء والظهور، فنحن اليوم جميعاً مهووسون بمواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، فايبر، واتساب) لافتاً أن للفيسبوك وجهين مختلفين فهو يساعد على التعبير عن الحريات، فكل شخص قادر على التعبير عن وجهة نظره الخاصة، وأنه عند البحث في تفاصيل مؤسس موقع الفيسبوك سوف نجد أنه تربى في أسرة يهودية، وله علاقاته بالماسونية، فهل نعلم نحن ما يخفى وراء الفيسبوك وهل أرادوا من خلاله التأثير على إنسان عربي مهزوم، مشتاق للحرية، وأضاف أن مؤسس موقع “غوغل” الشهير تركزت خطته على كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتعزيز النشاطات الشبابية لمساندة القوى المعارضة، عبر ابتكار أساليب جديدة لاستخدام الانترنت تستهدف زعزعة الحكومة السورية والإيرانية، وتساءل بخاري: “هل نحن عاجزون عن تصميم موقع اجتماعي خاص بنا؟ ومتى سنتوقف عن استيراد ما يتم تصديره لنا؟. كما تخلل الملتقى مشاركات شعرية لطيفة من الشاعرين أيهم الحوري وإيمان موصللي، ومشاركة غنائية من الملحن والمطرب منصور حيدر.
لوردا فوزي