ثقافة

براســــكوفيا حـــرة.. إنهـــا الحـــرب

انتهى فريق عمل مسرحية “براسكوفيا حرة” إعداد وإخراج الفنان فؤاد حسن من وضع اللمسات الأخيرة عليها لتبدأ أولى عروضها مساء اليوم الثلاثاء على خشبة مسرح الحمراء وهي من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا ومن تمثيل أسامة جنيد، لميس عباس، خوشناف ظاظا عن نص “مكان مع الخنازير” للكاتب اثول فوغارد.

حظ عاثر
يشير الفنان أسامة جنيد إلى أن شخصيته في العرض مختلفة عن الشخصيات التي سبق وأن جسَّدها على خشبة المسرح، وهذا أمر طبيعي، حيث أن طبيعة كل شخصية تفرض على الممثل أداءً معيناً وفق شرط النص، وبالتالي فإن شخصية بافل شخصية مركَّبة وبعيدة عن أي كركتر، وهو ليس شخصية نمطية نشاهدها في الشارع، مبيناً أن النص يقود الممثل من خلال الحوار المنسوج على لسان الشخصية ومنطقها لعوالم الشخصية الداخلية، ولا ينسى جنيد التأكيد على دور المخرج في مدِّ يد العون للممثل في توضيح ملامح شخصيته، منوهاً إلى أنه وفي بداية بروفات “براسكوفيا حرّة” قدم مقترحاته للمخرج بشأن شخصية بافل فأخذ منها المخرج ما يخدم السياق العام للعمل وهي مبادرات بنّاءة تخدم الشخصية التي يؤديها، وهذا كله يتم وفق حوار ونقاش مفتوح وهي حالة صحية هدفها الأعلى تقديم ما هو أفضل، مؤكداً أن للمخرج رؤيته التي يجب الالتزام بها، خاصة إذا كانت الثقة كبيرة بينه وبين ممثليه، وهو حال ممثلي عرض “براسكوفيا حرة” مع المخرج حسن الذي يتعاطى مع ممثليه بأمانة، وهذا ما حرَّضه على أن يطوِّع كلَّ أدواته لصالح شخصية بافل التي يقوم بتجسيدها من خلال اللعب على الورطة التي تورط بها نتيجة حظه العاثر وليس من منطلق إدانتها لأن خوف بافل من العقاب هو السبب في تلك الورطة التي جعلته يختبئ نتيجة الشعور الكبير بالذنب لأنه نام وتغيَّب عن أداء مهمته بالعودة إلى الجبهة، موضحاً أن بافل جنديّ كان يقاتل على الجبهة، ولشدة اشتياقه لأمه يطلب إذن مغادرة لمدة ثلاثة أيام فيصل لقريته، ولشدة تعبه ينام لمدة شهر، وحين يستيقظ يدرك حجم الورطة التي وضع فيها نفسه في تأخره عن الالتحاق بقطعته وقد أصبح بنظر قادته فارّاً من الخدمة، ومن يفعل ذلك يُحاكَم بالإعدام فيدفعه ذلك لعدم تسليم نفسه والاختباء في حظيرة الخنازير لمدة 10 سنوات، وفي يوم الاحتفال بالنصر يقرر أن يسلِّم نفسه ويشرح مبررات اختبائه ليكتشف أنه كان بنظر قادته شهيداً، وقد منحته السلطات وساماً ليُسجَّل اسمه على النصُب التذكاريّ، وهكذا أصبح ميتاً في نظر قريته وقادته، فيقرر حفاظاً على ماء وجهه أن يبقى في الحظيرة، ويبين جنيد أنه أُعجِب كثيراً –كممثل- بالشخصية بغضِّ النظر عن الرسالة التي تحملها وقد كان همّه التفكير بكيفية تقديم نفسه من خلالها، أما ماذا يريد أن يقول العرض فهو إدانة الحرب ومنعكساتها.

العين التي ترى
ويبيّن جنيد -وهو الذي قدم مؤخراً شخصية أسعد أبو السعود أستاذ التاريخ في العرض المسرحي “إعادة تدوير” للمخرج سامي نوفل- أن الانتقال من شخصية إلى أخرى بالنسبة للممثل أمرٌ ضروريّ وهامّ، ولا ينكر أنه في بعض الأحيان تعلق بعض الشخصيات في ذاكرة الممثل أكثر من غيرها، خاصة إذا قدم كركترات معيّنة أحبها وتعلَّق بها إلا أن الممثل المحترف –برأيه- لا يدع هذه الشخصيات تؤثر عليه في العروض اللاحقة بحيث يجب أن يتخلص من تأثيرها عليه لأن لكل شخصية هويتها وملامحها الخاصة، وبالتالي يجب على الممثل في كل مرة أن يقتل تلك الشخصيات وأن يبحث عن حوامل جديدة يتكئ عليها لبناء الشخصية الجديدة بحيث تكون عبارة عن جاكيت يلبسها الممثل فيتحرك بمنطوقها، وعندما ينتهي منها عليه أن يخلعها ليبني شخصية أخرى مختلفة من الداخل والخارج حتى لا يقع في فخ الكليشيهات، منوهاً إلى دور المخرج في مساعدة الممثل في النجاح بذلك حين يكون العين التي ترى وتراقب بشكل صحيح وتشذِّب ما يمكن تشذيبه في أداء الممثل.

ممثل كبير
ويؤكد جنيد أن فنَّ المونودراما صعب حيث يكون الحِمل كله على الممثل، وبالتالي فإن كل حركة من حركاته محسوبة عليه ومدروسة من قبله، فيبذل جهداً أكبر مقارنة مع مشاركته في عرض مسرحي يتواجد فيه عدة ممثلين، حيث تتوزع المهام، وفي الوقت ذاته لا ينكر أنه كممثل يبذل ذات الجهد ويخلِص للشخصية التي يؤديها حتى ولو كان لها مشهد واحد، وإخلاصه لها يوجب عليه أن يقدم لها كلَّ ما تتطلبه بغضِّ النظر عن المساحة التي تشغلها حرصاً على أن تكون مؤثرة، ومن هنا أتت –برأيه- مقولة “لا يوجد دور كبير ودور صغير، هناك ممثل كبير وممثل صغير”.. ويختم جنيد كلامه بتوجيه تحية لكل العاملين في المسرح لأنهم يعملون في ظروف استثنائية، والمطلوب من الجميع عدم تصدير آراء سلبية جارحة لهم، وإن كان هناك من هنات معينة لنعرف كيف نهمس بها في آذانهم لأنهم يستحقون كل الدعم، خاصة وأن عدداً من الممثلين هجروا المسرح وابتعدوا عنه ولم يبقَ إلا محبوه الحقيقيون، داعياً إلى دعم المسرح والاهتمام به إذا كنا مؤمنين بمدى حاجتنا إليه من خلال البحث عن حلول للارتقاء به وإنصاف من يعمل فيه.

رقصة من الريف الروسي
ولوجود فقرة راقصة في العرض كان من الضروري الاستعانة بمصمم الرقص جمال تركماني الذي يوضح أن أي عرض مسرحي اليوم حتى ولو كان يخلو من الرقص بحاجة لمصمم رقص لضبط حركة الممثلين، فكيف إذا كان فيه فقرة راقصة فهو بحاجة بالتأكيد لمصمم رقص يعمل على تصميمها بالشكل الصحيح الذي يجعلها من صميم العرض ومستلزماته، وفي حال وجود رقصة معينة فإنه يتكئ في تصميمه على حالة الممثل وبيئته وهو في عرض “براسكوفيا حرة” وحسب منطوق الشخصية ذهب تركماني إلى أجواء الريف الروسي، مؤكداً أنه لم يذهب فيها باتجاه التوثيق والفلكلور إلا باستثناءات قليلة إيماناً منه أن المصمم لا بد أن يقدم إضافاته التي تخدم النص للخروج برقصة منسجمة مع العرض ومضمونه، منوهاً إلى دور مصمم الرقص في أي عرض لرسم حركة الممثلين وليكون العين الثانية بعيداً عن الأفعال الدرامية بعد المخرج، ولأن الموسيقا عنصر مهم في أية رقصة لا بد برأي تركماني من التعاون الفعال بينه وبين الموسيقي للوصول لصيغة نهائية للشكل الذي يجب أن تقدَّم فيه الرقصة، وهذا ما حدث بينه وبين المايسترو حسام بريمو في هذا العرض.

المكياج وظيفي لا جمالي
ولأن المكياج عنصر أساسي في العرض المسرحي تبيّن سهى العلي أن دور المكياج في أي عرض مسرحي يجب أن يكون وظيفياً لا جمالياً وذلك تطلّب منها حين اختيرت للمشاركة في “براسكوفيا حرة” أن تقرأ النص بشكل عميق، حيث من الضروري برأيها أن تختار المكياج الذي يتناسب مع الشخصيات وظروف حياتها.. من هنا كان من الضروري أن يعبّر مكياجها لشخصية بافل الذي أمضى عشر سنوات في حظيرة الخنازير عن التعب الجسدي والنفسي اللذين حلّ به لأنه غطّ في نوم عميق جعله يتغيب عن الالتحاق بقطعته العسكرية، لذلك انصب اهتمامها على إظهار هذا التعب.. ولأن تفاصيل المكياج في النصوص المسرحية عامة لا تكون موجودة تعتمد العلي على مخيلتها وقراءتها لاستخلاص ما يناسب الشخصية وحالتها النفسية، وكأكاديمية درست فن المكياج في المعهد العالي للفنون المسرحية تؤكد العلي أن بعض الشخصيات لا تحتاج للمكياج الكثير، وأن مدى الحاجة تتحدد وفق تاريخها ونمط معيشتها وحالتها النفسية، مشيرة إلى أن المخرج يقدم اقتراحاته على هذا الصعيد إلا أن مهارتها تكمن في أن توصل فكرته دون أن يقولها، وترى أن أكبر مطب يقع فيه البعض على صعيد المكياج هو عدم القدرة والمعرفة في استخدام المكياج بالطريقة الصحيحة، خاصة وأن بعض المواد يمكن استخدامها لأغراض مختلفة.. وباعتبار أن فن المكياج أصبح علماً واسعاً لا تنكر العلي أن الكثير من العروض وقع سابقاً في مطب اعتباره جمالياً أكثر منه توظيفياً، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه اليوم جزء لا يتجزأ من المكان والزمان في العرض، وهو يشكل مع السينوغرافيا وحدة عضوية، وأي تنافر في أي عنصر يحدث خللاً كبيراً.
أمينة عباس