ثورة الثامن من آذار.. أسست لهذا الصمود الرائع
في ذكرى ثورة الثامن من آذار يسترجع الشعب السوري، ذلك المدّ القومي الذي عبّرت عنه الثورة في استجابتها لآمال وتطلعات الأمة، على واقع الانفصال، وضرب أول وحدة عربية في تاريخ العرب المعاصر بين سورية ومصر.
قاعدة فكرية
يستذكر د. نزار بني المرجة أن ثورة الثامن من آذار، جاءت لتجدد آمال الأمة العربية، ولتشكل قاعدة فكرية لاستئناف مسيرة العمل القومي من جديد، وأكد أن حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال ما حملته تلك الثورة من مبادئ هو المؤتمن على تطلعات الأمة وآمالها عبر العقود المتتالية من الزمان، وصولاً إلى الحركة التصحيحية المجيدة بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد، حيث أصبحت سورية قلعة منيعة للعرب والعروبة، وكان من الطبيعي أن تنطلق منها جحافل حرب تشرين التحريرية لتصنع أول انتصار في تاريخ العرب الحديث، وأوضح أن القاعدة الشعبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هي التي أسست لما نراه اليوم من صمود رائع لسورية وشعبها وقائدها في مواجهة أعتى عدوان في التاريخ مازال مستمراً على سورية منذ ست سنوات، بهدف ضرب وحدتنا وهويتنا، وتفتيت التراب العربي السوري الواحد، حيث تعبِّر سورية بصمودها اليوم أصدق تعبير عن قدرة هذه الأمة المتجددة على الانتصار على المشروع الغربي الصهيوني، وبيّن أننا اليوم بأمسِّ الحاجة لإعادة النظر في السلبيات والثغرات التي حاول أعداء الوطن والأمة النفاذ من خلالها لزعزعة أمننا واستقرارنا ووحدتنا الوطنية والقومية، واستخلاص العِبَر من المواجهات الميدانية اليومية مع عملاء الخارج الذين حاولوا، ويحاولون النيل من منظومة قيمنا الأخلاقية والتربوية التي تعبِّر عن هويتنا وانتمائنا.
كيف أصبحنا
ويبيّن د.سليم بركات أن الوضع العربي كان مختلفاً تماماً بعد قيام ثورة الثامن من آذار التي تحمل مشروع حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي يوحّد الأمة العربية في مواجهة أعدائها، ويؤكد حالة أساسية تتمحور حول القضية الفلسطينية باعتبارها البوصلة في النضال العربي، فكانت القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمالها في إطار المشروع القومي العربي، ويأسف لأن هذه القضية أصبحت اليوم في إطارات أخرى، حيث أن الطبقات الفقيرة الكادحة هي التي قامت بثورة الثامن من آذار ضد الاستغلال والفقر، وكانت مع وحدة الوطن العربي ونضاله ووجوده ومع أمنه القومي، وأشار إلى أننا اليوم وبمناسبة ذكرى الثامن من آذار نتذكر كيف كنا، وكيف أصبحنا، بعد أن كشفت قوى التبعية، والتآمر، المشاريع المخطط لها، والأهداف التي تسعى إليها، في حين أن مبادئ ثورة الثامن من آذار كانت ومازالت تقوم على الوحدة والحرية والاشتراكية، وتنادي بالأمة العربية الواحدة، وحقها في أن تكون موحدة، في الوقت الذي بات فيه العالم اليوم يعيش في إطار التكتلات الكبرى، والعرب يعيشون في إطار التفتت والتشتت ووباء الإرهاب الذي ينتشر على أراضيهم منذ سبع سنوات.. من هنا فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن نسترجعه في ذكرى الثامن من آذار هو أن نعيد النظر في كل ما يجري في الوطن العربي وبضرورة أن يكون لأبنائه موقف واحد موحد، ويتساءل د.بركات، أين هو المشروع القومي الوحدوي في ظل ما يجري في الوطن العربي، واختراق الأمن القومي، وفي ظل التبعية، حيث صار البعض يشير إلى علاقاته مع العدو الصهيوني على حساب علاقاته العربية، في الوقت الذي تتصدى فيه سورية للمشروع الإرهابي الذي يغزو الوطن العربي، ولولا هذا التصدي لكانت هناك متغيرات أخرى ولما كُشِفَت كل تلك المخططات الصهيونية الإرهابية، فالمشروع الإرهابي هو نفسه المشروع الصهيوني.. واليوم عندما نتذكر، ونعيش ذكرى ثورة الثامن من آذار ومعطياتها نذكّر العرب بعروبتهم ووحدتهم ومشاريعهم التكاملية كي نكون قوة في العالم لمواجهة العدوان الذي يستهدفنا، ولمواجهة الإرهاب والصهيونية والشرق أوسطية والمتوسطية التي تجزئ الأمة وتقهرها، ولنذكّرهم بأن العدو الصهيوني مازال يعتدي على الأمة العربية وكرامتها، ومشروعه يترعرع في عواصم عربية كثيرة، وبالتالي فإن المطلوب أن يكون للعرب مشروعهم في الوجود والنضال، وهو المشروع الذي تبنته ثورة الثامن من آذار، والذي يجعل منا أمة عربية واحدة بهدف أن تكون هذه الأمة العربية مواكبة للأمم الأخرى، ولذلك فهي ثورة حقيقية، لها مشروعها، لا ثورة للقتل والتدمير والتخريب قامت على أسس متطرفة، ومطالب مكملة للمشروع الصهيوني، وممارسات أصحابها، ليست إلّا ممارسات الصهاينة التي تجيز القتل والتخريب والتدمير، ولذلك هي أبعد ما تكون عن الثورة الحقيقية التي تقوم على فكر، وتبني وتنجز وتطور وتحدّث، إن أصحاب ثورة القتل لم يتركوا موبقة إلّا وارتكبوها بحق الشعب السوري، حيث قصفوا الأماكن الآمنة، ودمروا البنى الفوقية والتحتية، ولم يتركوا قيمة سلبية إلّا وحاولوا ترسيخها في المجتمع السوري، وهم يزرعون القتل ليس في سورية فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، لذلك على العالم كله، أن يتكاتف للوقوف مع سورية وجيشها وحلفائها لمواجهة هذا الوباء إذا أراد العالم أن يتخلص منه.
ثورة حقيقية
وترى الأديبة فلك حصرية أن ثورة الثامن من آذار شكلت، انعطافاً كبيراً على صعيد سورية، ولا سيما أنها ثورة حقيقية، جاءت لتنصف العامل، وتعيد إليه حقه وكرامته، وتأخذ بيد الفلاح، وتنهض بسورية اجتماعياً ومعيشياً وثقافياً وحضارياً، فكانت ثورة الكادح والمسحوق والمستغل، وأعادت لكل ذي حق حقه، ومهَّدت لمرحلة المساواة والنهوض بكل مناحي الحياة، وأشارت حصرية إلى دور الثورة في بناء الجيش العربي السوري بناءً عقائدياً وقومياً، وهذا ما أكد عليه القائد المؤسس حافظ الأسد الذي عمل على تعميق جذوره وتقويتها، واليوم نقطف ثمار هذا الإعداد في التواجد البطولي والمقاومة الرائعة التي يبديها أفراد جيشنا البطل الذين كانوا بحق نسور الوطن العزيز والقوي وسورية المنتصرة. وحين تتوقف حصرية كأديبة وعضو في اتحاد الكتّاب العرب عند أحد أهم الإنجازات الثقافية التي تحققت في ظل ثورة الثامن من آذار، وهو اتحاد الكتّاب العرب، شكل نقطة انطلاق حقيقية لانتعاش أدب حقيقي تقدمي يبدعه الكاتب العربي الملتزم بقضايا أمته المصيرية، وهو الاتحاد الذي كان تلبية حقيقية وماسّة لتجاوز الأزمات التي كان يعيشها الكاتب العربي حين كان يعاني افتقاراً للمناخ الثقافي الملائم بمساعدته على الإنتاج الجيد والإقرار بدوره في المجتمع، ومنحه حرية التعبير والنشر والتفرغ للعمل الفكري وضمان مستقبله، حيث أكد الكاتب السوري على قوميته وعروبته والتزامه بقضايا أمته العربية وتطلعات أبنائها المخلصين.
كما تكمن أهمية الاتحاد، برأي حصرية، في استكشاف المواهب الأدبية ورعايتها، وتعبئة الطاقات الأدبية في سورية، ورصد الواقع العربي في الإنتاج الأدبي والثقافي، وإذكاء روح المقاومة والصمود، واستلهام الجوانب الإبداعية والإنسانية والتراث القومي والأدب الشعبي لتطوير الأدب العربي وإغنائه، ووضعه في تيار الأدب العالمي.. من هنا فإن الكاتب اليوم مطالَب بأن يكون لسان التاريخ الحقيقي لما تعيشه سورية من خلال تقديم أدب سامٍ وحقيقي يؤرخ بطولات جيشنا العربي السوري وبطولات شعبنا وأمهاتنا اللواتي سبقن وتجاوزن الخنساء.
جدارية الوفاء
وكفنان تشكيلي يشير أديب مخزوم في حديثه عن ثورة الثامن من آذار إلى جدارية الوفاء التي أنجزها الفنان الراحل جريس سعد بمشاركة الفنانين عزيز إسماعيل وعلي السرميني، والتي تتصدر مبنى الاتحاد العام للفلاحين في دمشق، وهي تقدّم صورة بانورامية سحرية عن حياة الفلاحين بعد قيام ثورة الثامن من آذار، ومدى ارتباطهم بالأرض والعطاء والوطن، ويمكن اعتبارها من أهم اللوحات الجدارية الفسيفسائية الحديثة في سورية (14×6) متراً، فضلاً عن تجاوزها للنطاق التقليدي المتبع في اللوحات الجدارية، واستلهامها للتراث الشرقي الزخرفي والفولكلوري والشعبي لتلعب البنى الزخرفية فيها دوراً أساسياً في العودة إلى الماضي الحضاري، ونجد فيها في بعض الأحيان مظاهر التركيز على حركة التضاد بين الألوان الزاهية والمعتمة، التي تفيد في إضاءة رموز، وعناصر اللوحة، وإيجاد فسحات منيرة داخل مساحاتها، وبيّن أن اللوحة على الصعيد الفني، لا تدخل في إطار الرسم الواقعي التقليدي، بل تشكل مدخلاً لأفكار جمالية خلّاقة تتعاطى مع المساحة البانورامية كلون وتكوين فني حديث ومعاصر، وبذلك حملت هواجس إيجاد لغة جديدة، غاصت في مسائل إظهار الجماليات الحديثة القائمة على رصف القطع الفسيفسائية الملونة بطريقة تساهم في إعادة هذا الفن العريق إلى واجهة الصدارة، وهكذا استخدمت الإيقاعات الحجرية الملونة، والإشارات الزخرفية في صياغة المشهد المعبّر عن ثورة الفلاحين من خلال الحفاظ على الجو التشكيلي الغربي والبناء الهندسي المتماسك، أي أن الفنانين الثلاثة عملوا على تجاوز المساحات اللونية الصارمة المتواجدة في الزخرفة التقليدية، كما اهتموا بتقديم تكوينات هندسية متداخلة، أو متجاورة بطريقة خاصة ومبتكرة لتروي فصلاً من فصول النضال الوطني ضد قوى الغدر والرجعية والتخلف، خاصة في هذا الزمن الذي يشهد عودة إلى التطرف والانحطاط، وذلك من خلال هواجس الارتباط بالقيم الجمالية الحديثة التي استعادت معها جذور الارتباط بالماضي الحضاري المستمر في كل الأزمنة والأمكنة، وأشار مخزوم إلى أن البانوراما تستعيد ملامح من ذكريات العيش في القرى والريف السوري، وقد حققت القدرة الإبداعية، ووصلت إلى ملامح تشكيلية جديدة تجاوزت من الأساس المنظور الواقعي التقليدي، وقدّمت العناصر المحلية المختصرة من منظور فني خاص، مع إعطاء أهمية لمتانة الرسم وقوته الواقعية والرمزية.
أمينة عباس