ثقافة

وعـــود وأعيـــاد

بشرى الحكيم

لآذار من بين أشهر السنة موقعه ودلالاته، وله وقعه الأثير على الأسماع وفي القلوب، إذ تعطر الأنفاس روائح ربيعه المورق وبراعمه التواقة إلى الغد، فتغدو الثمار المنتظرة، لأوله ولادة وقفات العز، ولنهاياته في القلب مواعيد أحبة لا يعلم إلا الغيب مسكنهم، وما بين الاثنين مواقيت تتوالى تليق به شهراً للعطاءات والخيرات، له كتب الشاعر محمد أحمد حيدر:

لا كنت إن لم أكن للعاملين ندى‏      في موطن كنت له القلب والكبدا
آذار لولاك لم تضحك مرابعنـــــــــا‏       ولا هزار لنـــــا فوق الغصون شدا

لسيدات الكون فيه موعد يكرمهن، ويثمن دورهن في الحياة، وبه أيضاً نستذكر يوماً كان الحدث المرصود، يوم الثامن من آذار، نشدد فيه على المعاني والوقائع التي جعلت منه مفصلاً هاماً للبلاد، في وقت  كانت تتعرض لمحاولات؛ عملت طويلاً على إبقائها في دائرة التهميش والعزل عن العالم المحيط بها، حيث به تغيرت المعادلات في المنطقة، من خلال استنهاض الحدث لإمكانات ومواهب أبناء هذه الأرض من السوريين، للوقوف في وجه المؤامرات والمخططات التي كانت تحاك في الخفاء وفي العلن على السواء، ضد المصالح الوطنية، حدث وضع سورية في موقع الفاعل لا الواقف المتفرج، في كل الظروف التي مرت بها.
من خلاله انتقلت البلاد من الفوضى إلى دولة مؤسسات حقيقية وقانون فاعل وناظم للحياة، دولة نحسد عليها حتى ونحن في أحلك الظروف التي يمكن لبلد أن يمر بها، ومن خلاله باتت سورية منفتحة على التعاون المثمر مع شقيقاتها في العالم العربي، لعل واحداً من أوجد هذا التعاون  تجسد في انتصارات تشرين التي يشهد لها العالم، بحيث انعكس وزناً وثقلاً دولياً وإقليمياً مؤثراً لسورية التي بات لها دورها الفاعل بحيث لا يمكن تجاوزها، وجعل منها رقماً صعباً، يوضع في الحسبان دوماً؛ في المنطقة العربية والجوار، بل لعلها باتت أولى القلاع العربية الثابتة على مر السنين؛ والتي عملت على حماية قضايا العرب الكبرى، والدفاع عنها برغم كل الأثمان المترتبة.
هو آذار الذي نستعيد به ذكرى ثورة يحسب لها أنها ما أراقت دماء الأبرياء من أبنائها، لم تعتمد الذبح والنحر نهجاً لها، كما ثورات اليوم التي هي عار على التسميات، لم تعمد إلى إلغاء الآخر، كل الآخر، ولم تعمل على تهجيره ونفيه بعيداً عن موطنه، كانت بحق إنجازاً مشهوداً وثورة عمال وفلاحين هم الأَوْلى باستعادة خيرات البلاد والأرض، هو شهر للوعود المثمرات، يحق له أن يقول فيه الشاعر القطريب:

من سرحـــــــــة النجوى على القيثار        هــذي المفاتن في شيم عــرار
نجوى انبثاق الوعد في جنباتهـــــا         أكــــرم به طيباً لخيـــــــــــر آذار
نجوى النفوس الواهبات نفوسها       وعـــــــداً فجاء الوعد مـــن آذار