«فرنسيس مرّاش الحلبي» الشاعر العالم والأديب المعلم
غابت عنا في الكتب المدرسية العديد من الأسماء السورية المبدعة، التي كان لها بالغ الأثر في تشكيل وجدان أجيال كاملة، برز منها العديد من المفكرين والأدباء والمثقفين، منهم على سبيل المثال لا الحصر “فرنسيس مرّاش الحلبي” الذي يعتبر من القلائل الذين أثر نتاجهم الفكري والشعري بوعي “جبران خليل جبران” حيث وجد العديد من الباحثين ومنهم “خليل حاوي” و”صموئيل موريه” أن العديد من نصوص “جبران” حملت النفس الإبداعي الشاق والبسيط نفسه الذي أنتجته مخيلة المبدع “مرّاش” وبحسب موريه فإن أفكار جبران قد تأثرت كثيرا بأدب فرانسيس وخاصة فيما يتعلق بمناهضة الاستعباد وأهمية التعليم وضرورة إعطاء المرأة حقوقها وفصل الدين عن الدولة والثورة على القيم التقليدية البالية، ويذكر التقارب في لغة جبران ولغة فرانسيس.
ولد في حلب وعاش بين سنتي ١٨٣٦ و١٨٧٣، درس الطب في باريس واهتم بالأدب والتاريخ وعلم الاجتماع. تعتبره “سلمى الخضراء الجيوسي” أول مثقف شرقي وصل إلى العالمية في ظل الاحتلال العثماني ويقول “موريه” أنه من أوائل رواد الفكر والأدب في العصر الحديث في الشرق، كتب الشعر العربي الفصيح، كما اعتلى المنبر وقال الزجل في العديد من المناسبات التي حضرها كضيف شرف، كما أنه كتب في الأدب عموما والتاريخ والرياضيات، وكان له العديد من المقالات الأدبية والعلمية التي نشرت في صحيفة “بطرس البستاني” –الجنان- إلا أن كتابه “غابة الحق” الذي ترجم لعدة لغات كان أهم أعماله، وفي هذا الكتاب يتحدث بلغة شاعرية عن صراع مملكة الحرية ضد مملكة الظلم، ثم يتحدث الكتاب كيف تعرضت مملكة الحرية لهجوم خارجي من مملكة الظلم وكيف يستنهض الملك والملكة والوزراء الذين هم من خيرة المثقفين، همم الشعب، وكيف يدب الحماس في قلوب الجميع للدفاع عن وطنهم فينتصرون ويحاكمون ملك مملكة الظلم بحسب قوانينهم.
“غابة الحق” من الكتب القيمة التي تحتوي بالإضافة إلى القيمة الأدبية المتمثلة في القصة البديعة التي سبكها الرجل بدراية وخبرة عالية في فن القص، إلى الكثير من الحكم والمواعظ الأخلاقية والاجتماعية والسياسية، وهو أي الكتاب، مكتوب بلغة شعرية عالية الإيحاء وكثيفة الصور والمعاني والدلالات، وكان أن وصفته الأديبة “نازك يارد” بأنه يعكس رغبة النقاء الروحي المتمثل بالخير والمحبة بالانتصار على الشر والظلم والفساد، أيضا كتب عنه شاعر القطرين “خليل مطران” مقالات عدة خصصها للحديث عن أسلوب وخصائص شعر وأدب “فرانسيس مرّاش”
من أعماله: دليل الحرية الإنسانية، المرآة الصافية في المبادئ الطبيعية، غابة الحق في تفصيل الأخلاق الفاضلة، رحلة باريس، وغيرها من الكتب والمراجع والمقالات التي غلبت عليها الرهافة الشعرية، لتجيء معظم نتاجات هذا السوري الجميل، وكأنها عبرات ووصايا مكتوبة بدم القلب.
“فرنسيس مرّاش الحلبي” وكافة ما ألفه، يستحق وبجدارة أن يخصص له في مناهجنا التربوية ما يضيء على الحياة العلمية والأدبية البهية لهذا الرجل، الذي لم نسمع به إلا صدفة! وهو كان قد ملأ الدنيا وشغل الناس.
تمّام علي بركات