ثقافة

بعد فوزه بمسابقة النصوص السينمائية القصيرة.. أيهم عرسـان: الـفن بـلا رسـالة يفقد معنـاه

فاز فيلم “كبسة زر” للمخرج السينمائي أيهم عرسان- إنتاج المؤسسة العامة للسينما، سيناريو شادي وجد شاهين بجائزة أفضل سيناريو، في النسخة الرابعة من جائزة تهارقا السينمائية الدولية في السودان مع الإشارة إلى أن تهارقا يُعدّ من أهم الأحداث السينمائية على النطاق المحلي السوداني والعالمي، وهو يساهم في تشجيع صانعي أفلام الهواة للوصول للاحترافية، كما فاز عرسان بمسابقة النصوص القصيرة التي أطلقتها المؤسسة مؤخراً من خلال نصِّه “قهوة ساخنة” عن فئة سينما الواقع الراهن، وهو أيضاً مشرف فني على معظم أفلام مشروع دعم سينما الشباب وقد التقيناه وكان الحوار الآتي:

> حدِّثنا عن مشاركتك بمسابقة النصوص القصيرة التي أطلقتها المؤسسة مؤخراً وفزتَ فيها من خلال نصك “قهوة ساخنة” عن فئة سينما الواقع، وأية خصوصية يحملها هذا السيناريو؟.

>> الأزمة التي عشناها ونعيشها منذ سنوات شكلت في تجلياتها وإفرازاتها شكلاً من أشكال الهواجس لكل سوري، وهذه الهواجس تختلف من شخص إلى آخر بحسب ما يخشى منه، وربما في أحيان أخرى ما يأمله، وهي أكبر وأكثر تجلياً لكل معني بالثقافة والأدب والفن، وربما كان دافع المؤسسة العامة للسينما للإعلان عن مسابقة لسيناريو الفيلم القصير بفئتين: “الواقع الراهن” و”الطفل” هو –بحكم موقعها ودورها التنويري الثقافي كمؤسسة من مؤسسات الثقافة السورية- كإتاحة للفرصة لعموم كتّاب السيناريو للتعبير من خلال نصوصهم عن هذه الهواجس ومعالجتها درامياً كانعكاس لدور الفن عموماً والسينما خصوصاً الاجتماعي والثقافي.. وبالنسبة لـ “قهوة ساخنة” فهو نص سينمائي يتناول واحدة من القضايا التي تؤرقني وهي مسألة الهجرة والبعد عن الوطن ومرابع الصِّبا والشباب والذكريات والتفاصيل الصغيرة الحميمة، والعمل على تلك المسافة الفاصلة بين الألم بسبب واقع الحال وضيق الأمل بالمستقبل وبين الألم الناتج عن الانسلاخ عن الوطن بكل ما يعنيه من معانٍ كبيرة وتفاصيل صغيرة، وقد فاز السيناريو بجائزة أفضل سيناريو في فئة الواقع الراهن وهو في طريقه اليوم ليصبح فيلماً روائياً قصيراً.

> كتبتَ نصوصاً أخرى غير “قهوة ساخنة” فبماذا تختلف النصوص الأخرى عن هذا النص؟.

>> قبل سيناريو “قهوة ساخنة” كانت لديّ تجربة كتابة سيناريو لفيلم روائي قصير بعنوان “وراء الوجوه” وقد قمتُ بإخراجه أيضاً وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وذلك في العام 2005 وبطبيعة الحال فإن اختلاف الظروف والمعطيات يجعل المقارنة بين موضوعَي العملين غير منطقية، فكل عمل له خصوصيته وقضيته التي يعالجها، إذ يتناول “وراء الوجوه” قضية اجتماعية تتعلق بسؤال كم نحن حقيقيون؟ وإلى أي مدى نستطيع أن نكون كما نحن وعلى طبيعتنا أمام الآخرين؟ واخترتُ أن تكون شخصيات الفيلم من النساء لكون هذه الجدلية تعاني منها النساء في مجتمعاتنا أكثر من الرجال، أما “قهوة ساخنة” فيعالج قضية ظهرت كتجلٍّ لأزمة مستجدة أوجدتها ظروف الحرب.

> معظم النصوص التي كتبتَها تحكي عن الواقع فكيف يجب أن نعبِّر عن الواقع برأيك سينمائياً ومن خلال فيلم قصير؟.

>> التناول الدرامي للواقع ليس من واجبه تصوير الواقع أو تسليط الضوء على قضية معينة، بل العمل على توظيف مسألة أو مسائل من الواقع في إطار دراميّ يخلق شكلاً من الصراع بهدف إيصال رسالة، فالفن عموماً بلا رسالة يفقد معناه، والفيلم السينمائي الروائي القصير يحتاج بهذا المعنى إلى الاختزال والتكثيف بسبب عدد الدقائق المحدود لطوله، مع الحذر بالطبع من الانزلاق إلى أنواع قريبة من طبيعته من حيث الشكل كالفيديو آرت وغيرها.

> ما رأيك بالأفلام التي تحكي عن الواقع في مشروع سينما دعم الشباب وأنت مشرف على معظمها؟ وبرأيك هل هناك فهم حقيقي للشباب في ترجمة هذا الواقع سينمائياً؟

>> تشرفتُ بثقة إدارة المؤسسة العامة للسينما بأن كلفتْني بمهمة الإشراف الفني على أفلام مشروع دعم سينما الشباب للعامين 2015 – 2016 وهو مشروع رائد على مستوى الوطن العربي، حيث تتاح الفرصة كل عام لثلاثين شاباً هاوياً لديه حلم إنجاز فيلم سينمائي أن يقدم ما لديه إن نجح السيناريو الذي قدمه في مسابقة المشروع، والمشروع الآن ونحن في العام 2017 دخل دورته السادسة، وخلال تلك السنوات ظهرت مواهب جديدة بدأت تشق طريقها نحو احتراف العمل الفني السينمائي، وقد جرى العمل مع المخرجين الشباب على إعطاء السيناريو الهوية السينمائية ومن ثم العمل على التفكير والتوجه لكتابة السيناريو التنفيذي “الديكوباج” ومن ثم الانطلاق لتصوير الفيلم مروراً بالعمل على الديكور واختيار مواقع التصوير والممثلين، وقد وجدتُ العمل ممتعاً مع مجموعة من المخرجين المتحمسين لتقديم ما لديهم من أفكار ورؤى والذين سيشكلون مستقبل السينما في سورية، وهم في جلّهم يقدمون أفلاما تعالج قضايا من واقعنا الحالي، أما بالنسبة لمسألة أنهم في غالبيتهم يكتبون سيناريوهات أفلامهم فهذا صحيح إلى حد بعيد، لكن أيضاً هناك من يتبنون نصوصاً لكتّاب آخرين، وربما كانت قلة الكتّاب وبالتالي النصوص هي الدافع وراء كتابة أغلب المخرجين الشباب لسيناريوهات أفلامهم.

> بين الكتابة والإخراج في السينما لمن تميل أكثر؟.

>> أميل إلى الأمرين معاً، لكن رغم ذلك أحب أن أقدم نصاً كتبتُه لمخرج يضع إضافته ورؤيته عليه، فهذا أمر جميل ومفيد، وهنا أشير إلى أنني بصدد العمل على كتابة مسلسل تلفزيوني سيقوم بإخراجه زميل آخر، والعكس أيضاً صحيح وجميل، ففي العام الفائت قمتُ بإخراج فيلم روائي قصير عن نص للكاتب شادي شاهين وكان عنوانه “كبسة زر” والأمر برأيي ليس بحاجة للصرامة في أن يقرر مخرج ما أن يكون هو دائماً كاتب سيناريوهات أفلامه لأن العمل السينمائي هو عمل جماعي، وكلما تلاقحت الأفكار حصلنا على عبير أكثر.

> غالباً ما يقال أن الفيلم القصير بالنسبة لمعظم السينمائيين خطوة أولى باتجاه إنجاز فيلم طويل، فهل هو كذلك بالنسبة لك وبالنسبة لمعظم الشباب الذين يتجهون مبدئياً للفيلم القصير؟.

>> بطبيعة الحال من الصعب على أي مخرج سينمائي أن يتجه إلى تحقيق فيلم روائي طويل مباشرة دون المرور بمرحلة إنجاز فيلم روائي قصير أو أكثر، وهو هنا تراكم للخبرة والمعرفة والتمكن من أدوات العمل السينمائي، فالعمل السينمائي هو بالإضافة إلى كونه عملاً فنياً إبداعياً فهو أيضاً حرفة لها أصولها وقواعدها وأعرافها، وكل مخرج سينمائي يرغب بأن يقدم فيلماً روائياً طويلاً، وأنا أيضاً أرغب بذلك وآمل أن تتاح لي الفرصة قريباً.

أمينة عباس